البيوت بالمرايات والساعات والأدوات الصدفية والذهبية والفضية على حسب الرفاهية ، ويكون في الطبقة السفلى التي للرجال دواوين كبرى وفي أطرافها دكة من البناء عريضة للجلوس عليها والجميع مبلط بنحو الرخام والكذال ، وعند الجميع فرش النوم عدة فرش محشوة قطنا أو صوفا خفيفة يوضع بعضها فوق بعض من إثنين إلى ثلاثة توضع ليلا عند النوم وتسوى بالوسادات واللحف ، وتارة يوضع عليها ناموسية ثم يرفع جميع ذلك صباحا ويوضع في خزائن في البيت معدة لذلك ويبقى البيت للجلوس فليس لهم فرش دائمة ولا مكان خاص بالنوم ، وخدمتهم من ذلك في تعب كبير وتلك العادة جارية عند جميع المشرقيين فيما رأيت من البلدان ، لكن من اتخذ تقليد الأوروباويين صارت بيوتهم وديارهم ومفروشاتهم ونومهم كله على نحو ما ذكرنا في بلاد أوروبا ، ومما تعجبت منه في مصر رؤيتي للزرابي مفروشة وغير ذلك مما ذكرناه مما يزيد في الحر مع أن قطرهم حار وكان الأولى به الرخام والزليز وغير ذلك مما يبرد المكان ويروق هواءه ، لكني لما تذكرت قاعدة الناس على مذهب أمرائهم زال عني التعجب ، وذلك أن أمراء مصر منذ مدة طويلة وهم من الترك وهؤلاء بلادهم باردة فجروا في مفروشاتهم على ما اعتادوه في بلادهم وقلدتهم الأهالي وحتى العائلة الخديوية الآن لم تزل ناهجة منهج شاة الترك وإصطلاحهم بحيث لا يشك الرائي أنها قسم من الدولة التركية لما يرى من أسلوب جميع حركاتهم وهيئتهم هذا.
وأما الطرقات فالجديد منها متسع تمر فيه العجلات والقديم في ضيق عظيم لا يكاد يتخلله الهواء وكلها غير مبلطة إلا إسكندرية ، لأن المطر قليل النزول عندهم أو مفقود إلا في إسكندرية ، وفي كل بلد نظارة لنظافة الطرق والتنوير ليلا ولتحسين البلاد على حسب التيسير ، إذ لم يزل العمل متماديا في توسيع الطرق ومصيبة ضيق الطريق عامة في سائر بلدان المشرق التي رأيتها ، وكان ذلك في الأقاليم الحارة لشدة الحر فإذا ضاق الطريق لا تنزل الشمس إلى الأرض لارتفاع الأبنية فيقل الحر نوعا ما ، لكن ذلك مضر بالصحة لصعوبة تخلل الهواء وكثرة الندى ومخالف للشرع أيضا ، لأن المشروع في الطرق أن يكون عرض المعتاد منها سبعة أذرع والطريق العام إثني عشر ذراعا والبطحاآت التي من المشروع أيضا أن تكون أمام المسجد تكون ستين في ستين كما نص على ذلك في الفقه والسير وصرح به مكتوب الخليفة الثاني سيدنا عمر رضياللهعنه الآمر برسم الكوفة.
ومما ذكره أن لا تزيد طبقات دورها عن طبقتين ، والوجه في ذلك هو أن الدار إذا اشتملت على أكثر من طبقتين سكن بها أزيد ممن يسكن في طبقتين فتصغر البلد مع أنها بلاد إسلامية منشأة في وجه العدو فالأصلح تكبيرها وأيضا فساد الهواء من كثرة الإجتماع في محل واحد ضيق المساحة إذا كان ذا طبقات كثيرة وأيضا تعب الساكن بكثرة الصعود وأيضا كثرة التعب والإسراف في مصروف البناء إذا علت الطبقات لأن المصروف في الطبقات العليا أزيد بكثير من الطبقة السفلى لما يحتاج إليه من كثرة العملية وأيضا فيه نوع من الكبرياء والتجبر المنهى عنه شرعا ، وعلى هذا فضيق الطريق قبيح شرعا وعقلا ، وحر