جماعة بحيث يأكلون أكل شبع ، ولا يوضع أناء يظهر عليه أنه به أثر أكل سابق وعادة تكثير الطعام موجودة حتى للضيوف بل حتى في الأكل العادي يوميا ، بحيث أن أواسط الناس لا يكون في مائدتهم أقل من ستة ألوان فطورا وعشاء ، ولهم عادة التطوف بالمختون على نحو ما ذكرنا في تونس ، بل ويزيدون بالتطوف به ليلا والشموع والمنائر موقودة والمغنون رافعون أصواتهم بالشعر والمدايح ، وكذلك الأعراس يطوفون بالعروسة ومعها الموكب والطبول والمزامير تعزف ، ولهم أيام لبعض المنتسبين للصالحين يخرجون فيها تلامذتهم بالألبسة الرفيعة والأعلام والمباخر وغيرها وينبطح بعض الناس على الأرض في الطريق ويأتي شيخهم راكبا فرسه ويمر فوق أولئك الملقون ولا يضرهم بوطىء أرجل فرسه يدعون ذلك كرامة ، وأعظم المواكب يوم خروج ركب الحاج وكسوة الكعبة فيحضره الخديوي والعساكر وخلائق لا تحصى وتحمل الكسوة في محمل على جمل مزين ويحاذيها الخديوي وكبار الدولة ، بل قد فعل ذلك أمراء الإنكليز مع الخديوي بغاية التوقير والمدافع تطلق إلى أن يخرج الركب عن البلاد وينزل هناك حتى يجتمع المسافرون ، ويتوجه برا إلى الحجاز ويحمل ذلك الركب أيضا أموالا عديدة لمرتبات وعوائد لأهل الحرمين مع صدقات ومحصول وقف الحرمين ، ومن المواكب مولد السيد البدوي (١) في بلد طنطا ويعقد فيها سوق عظيم تأوي إليه التجار من سائر أطراف القطر المصري ولهم حكايات في كراماته رضياللهعنه في نفاق السلع لكل قادم ، غير أن ذلك السوق يشمل من منكرات الزنى ما يستقبح ذكره وشهرته.
وأما الجنائز عندهم ففيها من عادات الجاهلية أمر فظيع جدا ، وذلك أنه إذا مات الميت تأتي النائحات الصايحات وتبقى تنوح أسابيع ليلا ونهارا بما يزعج أهل الحارة ، بحيث أني سئمت المكث بدار صديقي في الإسكندرية لموت جار له ولم أستطع النوم ليلا ولا نهارا ، وأقبح من ذلك أن النايحات والنسوة يخرجن مع الجنازة في الطريق إلى أن تدفن ويرجعن هكذا نايحات ، والغريب أن ذلك يقع ولو في محلات العلماء مع أنه منكر شرعا وفيه وعيد شديد وكذلك إنكاره عقلا وعادة ، ولهم إتباع للسنة عند دفن الميت فيطلب قائل الشهادة فيه من الحاضرين فيشهدون فيه بالخير عملا بحديث «من أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ومن أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة» (٢) أو كما قال صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) هو أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني ، أبو العباس البدوي (٥٩٦ ـ ٦٧٥ ه) متصوف صاحب شهرة في الديار المصرية. أصله في المغرب ، ولد بفاس. ودخل مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس. انتسب إلى طريقته جمهور كبير. توفي ودفن في طنطا. الأعلام ١ / ١٧٥ شذرات الذهب ٥ / ٣٤٥ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٢٥٢ ودائرة المعارف الإسلامية ١ / ٤٦٥.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز برقم (٦٠) والنسائي في الجنائز باب (٤٩) والإمام أحمد بن حنبل في المسند ٣ / ١٨٦ والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٣٤٦ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٥٧٢ و ١٠ / ٣٧٥ والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٤٥ والمتقي الهندي في كنز العمال (٤٢٧٠٥).