أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها وكان بقاء ذلك مما يزيد في رؤيتها ويدعو إليها ، كما روي عن ابن عمر رضياللهعنهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم «نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينتها» (١) فلما انقطعت الهجرة زال ذلك الخ ، وقوله : انقطعت الهجرة أي بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا هجرة بعد الفتح» (٢) وكلامه تعليل لمذهب الحنفية في عدم تحريم المدينة وأما الأئمة الثلاثة فهم على تحريمها مثل مكة وأدلتهم قوية ، والحاصل أن مرادنا هو أن تكثير الشجر في البلاد لا سيما البلاد الحارة مما يرغب فيه ، وقد صرح الفقهاء في كتاب السير بالنهي عن قطع شجر دار الحرب بلا حاجة إليه فكيف بغيرها فضلا عن دار خير الخلق عليه الصلاة والسلام ، القائل بتحريمها وتحريم ما حولها أكثر الأئمة رضياللهعنهم مع الفائدة الظاهرة من ذلك.
وأما حيوانات الحجاز فيوجد به الحيوانات الأنيسة المعلومة كلها لا سيما الخيل العرابية التي يضرب بها المثل في الدنيا وترغب فيها جميع الأمم ، وأعلاها الخيل النجدية ، وكذلك الإبل الجيدة لا سيما النجيبات السريعة مثل ما ذكرنا بمصر ، وأحسن منها ، كما توجد البغال بقلة والحمير بكثرة والحيوانات البرية كلها موجودة إلا القليل كالدب والفيل ، وأما الأسد والنمر فموجود بكثرة وكفى بما ذكره بشر في قصيدته ، التي شطرها الشيخ قابادو التونسي ، بعد أن زاد عليها مطلعا بيانا لحالة أسود أرض العرب ، وتلك القصيدة لما كانت بديعة أثبتها هنا مع تشطيرها لتنظر براعة المشطر الذي صار كأنه بدوي قح مع كونه حضريا بحت وهي :
أفاطم لو شهدت ببطن خبت |
|
لهانت عندك الأخبار خبرا |
ولو أشرفت في جنح عليه |
|
وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا |
إذا لرأيت ليثا أم ليثا |
|
وكل منهما بأخيه مغرى |
يرى كل على ثقة أخاه |
|
هزيرا أغلبا لاقى هزبرا |
تبهنس إذ تقاعس عنه مهرى |
|
وأقبل نحوه أذنيه ذعرا |
فكاد يريبه فيخال مني |
|
محاذرة فقلت عقرت مهرا |
أنل قدمي ظهر الأرض إني |
|
أرى قدمي للأقدام أحرى |
ولست مزحزحي شيئا ولكن |
|
رأيت الأرض أثبت منك ظهرا |
وقلت له وقد أبدى نصالا |
|
باهرة فأغر يصررن صرا |
وسوسا ذات ألحاظ تلظى |
|
محددة ووجها مكفهرا |
يكفكف غيلة إحدى يديه |
|
كبالي القوس ينزع مسبطرا |
__________________
(١) ذكره ابن عبد البر في التمهيد : ٦ / ٣١٠.
(٢) أخرجه البخاري برقم (١٨٣٤ ـ ٢٧٨٣ ـ ٢٨٢٥) والإمام أحمد في المسند ٥ / ٧١ والنسائي ٧ / ١٤٦. والمتقي الهندي في كنز العمال (٤٦٢٥١).