وانكلترة والنمسا والروسيا وإيطاليا ، فهاته الدول بما لهم من القوة واتساع نطاق التمدن صار لهم المداخلات في كل ما يمس حقوقهم من سياسات العالم ، وشدة مراقبة بعضهم لبعض لا تترك أحديها تتداخل في شيء يمكن منه لمس حقوق الآخرين ولو في الوجاهة والنفوذ ، ولكنهم عموما يتجنبون المداخلات في أحوال الدول ذات الإنتظام لا لمجرد مراعاة الإنتظام بل لأن الإنتظام يشيد حصونا على أبواب المداخلات باستناد أصحابها إلى أصولهم وآراء العموم مع جريان سيرتهم على استقامة من القيام بواجباتهم في أنفسهم والوفاء بحقوق المعاهدات الأجنبية ، ومع ذلك فالقوة في الدول الكبيرة تغري بالتداخل في أحوال الضعيف كيفما كان الحال لكن الغيرة والتحاسد بين الكبار يوجب ردع بعضهم بعضا ، فإذا كان المصوب إليه سهام التداخل مستقيما في نفسه وجد بقية الدول الكبار مستندا لردع الجاني منهم على الضعيف ، إذ اختلاف منافعهم ومباينة مقاصدهم موجبة للإختلاف وعدم الاتحاد على الإضرار بالضعيف ، حيث أن الإضرار به لا يمكن أن يوفي بأغراض جميعهم فلا يسمح أحدهم برجحان كفة غيره على كفة نفسه ولذلك يجد الضعيف راحة من اختلافهم الذي كانت أعماله باستقامته سببا فيه.
أما إذا كان في نفسه غير مستقيم تورث سيرته الكوارث التي تقلق جميع الدول الكبيرة ، فيقتحمون تحمل ضياع بعض أغراضهم ليسدوا باب التشاحن من قبيل ارتكاب أخف الضررين ، وذلك لا ينشأ إلا في الجهات التي تشترك فيها منافع الجميع.
أما الجهات التي تخص بعضا منهم : فإن المشاحنة إنما تقع بين من له تشارك فيها فقط. ولذلك كان لدولة إيطاليا مراقبة لأحوال شطوط البحر الأبيض وكل الدول المجاورة لها ، ولم يكن يعنيها ما يقع في غربي أوروبا ولا ما يحصل في الصين والهند وأمثال ذلك ، نعم ليست درجة غربي أوروبا عندها كدرجة الصين ، والحاصل أن تداخلها هي أو غيرها على حسب منافعها السياسية والتجارية ، ولذلك كانت لها معاهدات مع الدول التي لها معها علقة في السياسة أو التجارة وهاته الدول هي جميع دول أوروبا والدول التي على شطوط البحور من آسيا وغالب جهات أفريقيا ، ولها سفراء نواب عنها في تخوت تلك الممالك وهم على طبقات في المقام ، فلها سفراء من الدرجة العليا في الدول العظيمة التي لها معها خلطة سياسية معتبرة ، ولها سفراء من الدرجة الثانية في غيرها من الدول المستقلة أو التي لها معها معاهدات ، ولها قناسل وهي رتبة أقل من السفير في الحكومات الغير المستقلة أو التي هي صغيرة وتارة تكلف بمصالحها نواب لمجرد الشرف بالرتبة من غير مرتب أو تكلف نواب بعض الدول الأخرى كل ذلك في الممالك التي تقل خلطتها معها ، ولكل سفير أو مكلف نواب وأعوان ومحل إدارة يسمى بالسفارة كأنه وزارة تنفق عليها الأموال في المرتبات وغيرها ، وكل دولة فيها سفير من إيطاليا يلزم أن يكون لها هي أيضا سفير فيها على قدر مصالح تلك الدولة وهي قاعدة مطردة في سائر الدول بالنسبة لسيرتهم في الخارجية ، ومنذ سنة ١٢٧١ ه ١٨٥٤ م دخلت إيطاليا في عقد المعاهدات العامة بين