والمشاهدة أقوى دليل فكل بلاد حافظت على ذلك قلت فيها الفاحشة حتى كادت أن لا تقع ، وكل بلاد تساهلت في خروج النساء كمكشوفات الوجوه بالبراقع الصفيقة وغض النظر عن مكالمة النسوة للرجال والمزاحمة في الأسواق والمجامع فشت فيها الفاحشة واتخذ رجالها هجيراء مسارتهم التكلم بوقائعهم مع النساء سواء كانت بلدة إسلامية أو إفرنجية وقلب الحقائق وإخفاء الجهر وعكس الطبائع ليس في الوسع ولا يحاوله ذو إنسانية.
وأهالي إيطاليا يستعملون الموسيقى ذات آلات النفخ وذات الأوتار وهم برعاء فيها وألحانهم هي ألحان الأروباويين وهي ألحان مخالفة للألحان المعروفة عند المشرقيين والعرب وأهالي أفريقية الشمالية ، حتى أن هاته الألحان لا يحصل منها ما يحصل من السماع لهؤلاء وبالتعود تصير مؤثرة في النفس ولها تعاليم مخصوصة معتنى بها ، ولا يدقونها إلا على تطبيق لما هو مرسوم في أوراق خاصة على أشكال يتبعها صوت النغمات بحيث أن كل صاحب آلة تكون أمامه تلك الأوراق ينظر فيها ويدق على نحوها ولا يدقون من محفوظاتهم إلا قليلا ، وأهل البادية وبعض القرى لهم آلات من مزامير بالجلود ينفخونها بلا أوراق ، وفي كل بلدة مراسح للعب والتلهي على حسب كبر البلدة تفتح ليلا للسهر وتشكل فيها ألعاب على صور تاريخية مرئية أو للغناء والسماع ولهم تقدم وشهرة في ذلك على سائر أهالي أوروبا ، والأهالي عموما ذوي رجولية في التمسك بالآلات الحربية حتى لا تكاد تجد من لا يحمل السلاح الصغير الخفيف مخفيا ، ويركبون الخيل رجالا ونساء غير أن المرأة تركب السرج بلا فتح لرجليها بل أنها تثني رجلها اليمنى على مقدمة السرج ورجلها اليسرى تضعها في الركاب ، وعادة الأهالي في السلام عند الملاقاة هي المصافحة مع هز
__________________
ـ للفتنة لا لأنه عورة لأمرين :
أحدهما : أن هذا القول أي اشتراط أمن الفتنة منها أو عليها لعدم وجوب ستر الوجه كما زعمه بعض الشافعية. ليس منقولا عن إمام كالشافعي أو غيره من الأئمة ولا هو منقول عن أصحاب الوجوه من المذهب. وكيفما كان الأمر فالصحيح ما وافق النص.
والمراد بالفتنة في هذه المسألة الداعي إلى جماع أو خلوة أو نحوهما كما صرح بذلك زكريا الأنصاري في شرح روض الطالب ٣ / ١١٠ ويشهد لهذا أيضا ما رواه ابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ١ / ٣٠٩ مرفوعا من حديث ابن عباس قال : «كانت تصلي خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم امرأة حسناء من أحسن الناس ، فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فكان إذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله في شأنها : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) [الحجر : ٢٤] الشاهد فيه أن الرسول لم يقل لتلك المرأة الحسناء انقبعي في بيتك أو تعالي مغطية وجهك ، فلما لم يقل ذلك علمنا أن خوف الفتنة لا يناط به الحكم. ثم الإجماع الذي انعقد على أنه يجوز للمرأة كشف وجهها وعلى الرجال غض البصر لا ينتقض حكمه برأي بعض المتأخرين وهذا الإجماع قد نقله ابن حجر الهيثمي في حاشية الإيضاح وغيره بعد نقل القاضي عياض لذلك قد اسفر الصبح لذي عينين.
وبما مر يعلم انتقاض قول بعض المتأخرين من أهل القرن الثاني عشر ونحوه أنه يجب ستر المرأة وجهها لا لأنه عورة بل دفعا للفتنة.