الليل ومن طرح الأوساخ من داره في غير الأوقات المعينة عوقب على ذلك بالعقوبة المالية بحيث تجد سائر الطرق نظيفة وفي الليل منورة بالبخار الغازي والفوانيس نظيفة ، وغاية ما هناك هو الفرق بين البلدان في شدة النظافة والتنوير واتساع الطرقات فقط ، أما الأصل فهو موجود في الكل ولو في القرى. والطرقات أغلبها يمر فيها عجلتان ومنها ما هو أوسع وفي البلدان القديمة لم تزل طرق ضيقة لا يمر فيها إلا الماشي.
وأما هيئة المساكن فإن المدن لا تكاد تجد فيها الديار ذات طبقتين فقط بل تزيد إلى السبعة والثمانية ، ويكون ظاهرها على الطرقات ملتئما بعضه ببعض قريب المشاكلة في الصورة مع التحسين الظاهري والتنظيف وطول الطرق واتساعها ، وجعل البطحاآت فيها والأشجار على أوسعها فكانت مدنهم بذلك ذات منظر بهيج حتى أن الحكم يوجب على المالك أن يحسن ظاهر بيته على حسب ما يشير به المهندسون من المجلس البلدي ، وأما داخل الديار على الإجمال فإذا دخل الإنسان من الباب يجد سقيفة ثم درجا متصلا بعضها ببعض متصاعدة أما على شكل دائرة أو مربعة إلى أن تنتهي لأعلى طبقة ، ومهما وصلت الدرج إلى طبقة تجد فيها فسحة ذات أبواب بقدر ما في الطبقة من المساكن ، فإذا دخلت مسكنا تجد إيوانا مسقفا وبه أبواب للبيوت وباب إلى ممر به بيوت ومطبخ ومستراح وتارة يكون في إحدى البيوت الأخرى مستراح آخر ، وجميع الحيوط مطلية والسقوف إما خشب أو بناء مطلية مدهونة ، وكل البيوت لها طواقي كبار ويعتنون بمقابلة الأبواب والطواقي والأبواب وعواضدها من خشب متقن الصنعة ، وسائر الأماكن مبلطة إما «بالجليز» أي نوع من الآجر المطلي المتقن ، أو المرمر وكذلك الدرج. ومن اقتصادهم أن كل بلد تقتصر على ما عندها من مواد البنيان ولا تأخذ من بلاد أخرى شيئا إلا ما لا يمكن الإستغناء عنه بما فيها ولو كان الشيء من بلد في نفس المملكة ، ثم البيوت التي بكل دار أكثرها مائل إلى شكل التربيع واحدها بيت للجلوس وآخر للأكل وهما أكبر البيوت ثم آخر للنوم وكل منها به من الفرش ما يناسب موضوعه ، وفرشها مختصرة متقنة مرونقة من كراسي كبار وصغار وساعات ومرايا وزرابي وأسرة يعتنون بنظافتها ، ويعتنون باتساع الدرج وراحتها. وكل مسكن لعائلة فتجد الدار الواحدة يسكنها عدة عائلات كل عائلة منفردة في إحدى المساكن على قدر كبرها وطبقاتها ، وأما دور الأعيان والأغنياء المنفردين بديارهم فهي على ذلك النحو أيضا لكنها كلها تكون ذات مسكن واحد وطبقاتها لا تزيد على الثلاث أو الأربع ، وكثير من أغنيائهم يسكنون في الديار المشتركة من النوع الأول لكنهم يختارونها وسيعة وكل مسكن يكون بابه مغلقا ، وعند الباب الخارجي للدار بيت يسكنه بواب بالأجرة من جميع أصحاب المساكن للحراسة ، وكل البلدان لها خنادق تحت الطرق لجريان القذورات فيها أولها دهاليز والجميع مغطى ولا يفتح للإصلاح أو التنظيف إلا ليلا ، وسطوح الديار في جميع الجهات الشمالية مسنمة لئلا يتثاقل عليها الثلج ، وأما الجهات الجنوبية ففيها بعض من السطوح مبسوطة.