وجعل «الملك الظّاهر» يداري الجهتين ، والرسل تتواتر إليه من البلدان ، وهو في الظاهر في طاعة عمّه ، وعسكره معه ، وفي الباطن في النّظر في حفظ سنجار ، ومداخلة المواصلة ، وهو يظهر لعمّه أنه متمّسك بيمينه له ، إلى أن أرسل أخاه «الملك المؤيّد» ، ووزيره «نظام الدّين الكاتب» إلى عمّه ، معلما له أن رسول الموصل ، ومظفّر الدّين ، وصلا يطلبان منه الشفاعة إليه ، في إطلاق سنجار ، وتقرير الأمر على حالة يراها.
وتوسّط الحال عند قدومه ، على أن شفع فيهم الملك الظّاهر ، وأطلق لهم «سنجار» ، واستنزلهم عن «الخابور» و «نصيبين». وعاد «الملك المؤيّد» ، من حضرة عمّه بالبرّ الوافر ، فلما وصل «رأس عين» ، دخل إليها في ليلة باردة كثيرة الثلج ، فنزل في دار فيها منزل مجصّص ، فستر بابه ، وسدّ ما فيه من المنافس ، وأوقد فيه نار في منقل ، وعنده ثلاثة من أصحابه ، فاختنق ، وواحد من أصحابه ، وحمل إلى «حلب» ميتا في شعبان ، من سنة ست وستمائة. وجرى على الملك الظّاهر منه ما لا يوصف من الحزن والأسف.
ووصل الملك العادل إلى «حرّان» ، وخافه صاحب الموصل والجزيرة ، فراسل الملك الظّاهر ، وطلب منه أن يخلي بينه وبين ملوك الشرق ، وأن يحتكم في ما يطلبه منه ، وراسله صاحب الموصل ، وصاحب إربل ، وصاحب الجزيرة ، يعتضدون به وهو لا يؤيسهم ، فخرج السلطان إلى «حيلان» بعسكره ، ثم رحل إلى «السمّوقة» وراسل عمّه في مهادنتهم ، وتطييب قلوبهم ، وهو مخيم على «السموقة» ـ على نهر قويق ـ وطلب منه أن تكون كلمة المسلمين كلّهم متفقة.