وذكر الواقدى عن ابن عمر ، قال : نظرت إلى راية طليحة يومئذ ، حمراء يحملها رجل منهم لا يزول بها فترا ، فنظرت إلى خالد أتاه فحمل عليه فقتله ، فكانت هزيمتهم ، فنظرت إلى الراية تطؤها الإبل والخيل والرجال حتى تقطعت.
وعنه ، قال : يرحم الله خالد بن الوليد ، لقد كان له غناء وجرأة ، ولقد رأيته يوم طليحة يباشر الحرب بنفسه حتى ليم فى ذلك ، ولقد رأيته يوم اليمامة يقاتل أشد القتال ، إن كان مكانه ليتقى حتى يطلع إلينا منبهرا.
ولما تراجع المسلمون ، وضرس القتال ، تزمل طليحة بكساء له ينتظر ، زعم أن ينزل عليه الوحى ، فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب ، جعل عيينة بن حصن يقاتل ويذمر الناس.
قال ابن إسحاق : قاتل يومئذ فى سبعمائة من فزارة قتالا شديدا ، حتى إذا لج المسلمون عليهم بالسيف وقد صبروا لهم ، أتى طليحة وهو متلثم فى كسائه ، فقال : لا أبا لك ، هل أتاك جبريل بعد؟ قال : يقول طليحة وهو تحت الكساء : لا والله ما جاء بعد ، فقال عيينة : تبا لك سائر اليوم ، ثم رجع عيينة فقاتل ، وجعل يحض أصحابه وقد ضجوا من وقع السيوف.
فلما طال ذلك على عيينة جاء طليحة وهو مستلق متسج بكسائه فجبذه جبذة جلس منها ، وقال له : قبح الله هذه من نبوة ، ما قيل لك بعد شيء؟ فقال : طليحة : قد قيل لى : إن لك رحا كرحاه ، وأمرا لن تنساه ، فقال عيينة : أظن قد علم الله أن سيكون لك أمر لن تنساه ، يا فزارة ، هكذا ، وأشار له تحت الشمس ، هذا والله كذاب ، ما بورك له ولا لنا فيما يطالب ، فانصرفت فزارة ، وذهب عيينة وأخوه فى آثارها ، فيدرك عيينة فأسر ، وأفلت أخوه ، ويقال : أسر عيينة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائى ، فأراد خالد قتله حتى كلمه فيه رجل من بنى مخزوم ، فترك قتله.
ولما رأى طليحة أن الناس يقتلون ويؤسرون ، خرج منهزما ، وأسلمه الشيطان ، فأعجزهم هو وأخوه ، فجعل أصحابه يقولون له : ما ذا ترى؟ وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته النوار فوثب على فرسه ، وحمل امرأته وراءه فنجا بها ، وقال : من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت فليفعل ، ولينج بأهله ، ثم هرب حتى قدم الشام ، فأقام عند بنى جفنة الغسانيين.
وفى كتاب يعقوب الزهرى : أن طليحة قال لأصحابه لما رأى انهزامهم : ويلكم ما