وكان أبو بكر الصديق رضياللهعنه ، قد عاهد خالدا إذا فرغ من أسد وغطفان والضاحية أن يقصد اليمامة ، وأكد عليه فى ذلك ، فلما أظفر الله خالدا بأولئك تسلل بعضهم إلى المدينة يسألون أبا بكر أن يبايعهم على الإسلام ويؤمنهم ، فقال لهم : بيعتى إياكم وأمانى لكم أن تلحقوا بخالد بن الوليد ومن معه من المسلمين ، فمن كتب إلى خالد بأنه حضر معه اليمامة فهو آمن ، فليبلغ شاهدكم غائبكم ، ولا تقدموا على ، اجعلوا وجوهكم إلى خالد.
قال أبو بكر بن أبى الجهم : أولئك الذين لحقوا خالد بن الوليد من الضاحية الذين كانوا انهزموا بالمسلمين يوم اليمامة ثلاث مرات ، وكانوا على المسلمين بلاء.
وقال شريك الفزارى : كنت ممن حضر بزاخة مع عيينة بن حصن ، فرزق الله الإنابة ، فجئت أبا بكر ، فأمرنى بالمسير إلى خالد ، وكتب معى إليه : أما بعد ، فقد جاءنى كتابك مع رسولك تذكر ما أظفرك الله بأهل بزاخة ، وما فعلت بأسد وغطفان ، وإنك سائر إلى اليمامة ، وذلك عهدى إليك ، فاتق الله وحده لا شريك له ، وعليك بالرفق بمن معك من المسلمين ، كن لهم كالوالد ، وإياك يا خالد بن الوليد ونخوة بنى المغيرة ، فإنى قد عصيت فيك من لم أعصه فى شيء قط ، فانظر بنى حنيفة إذا لقيتهم إن شاء الله ، فإنك لم تلق قوما يشبهون بنى حنيفة كلهم عليك ، ولهم بلاد واسعة ، فإذا قدمت فباشر الأمر بنفسك ، واجعل على ميمنتك رجلا وعلى ميسرتك رجلا ، واجعل على خيلك رجلا ، واستشر من معك من الأكابر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من المهاجرين والأنصار ، واعرف لهم فضلهم ، فإذا لقيت القوم وهم على صفوفهم ، فالقهم إن شاء الله وقد أعددت للأمور أقرانها ، فالسهم للسهم ، والرمح للرمح ، والسيف للسيف ، فإذا صرت إلى السيف فهو الثكل ، فإن أظفرك الله بهم فإياك والإبقاء عليهم ، اجهز على جريحهم ، واطلب مدبرهم ، واحمل أسيرهم على السيف ، وهول فيهم القتل ، واحرقهم بالنار ، وإياك أن تخالف أمرى ، والسلام عليك.
فلما انتهى الكتاب إلى خالد اقترأه ، وقال : سمع وطاعة.
ولما اتصل بأهل اليمامة مسير خالد إليهم بعد الذي صنع الله له فى أمثالهم حيرهم ذلك وجزع له محكم بن الطفيل سيدهم ، وهم أن يرجع إلى الإسلام ، فبات يتلوى على فراشه ، وهو يقول :
أرى الركبان تخبر ما كرهنا |
|
أكل الركب يكذب ما يقول |