محكم بن الطفيل ، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلا ، وهزم كلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين ، والمشركون عسكر المسلمين مرارا ، وإذا أجلى المسلمون عن عسكرهم فدخل المشركون أرادوا حمل مجاعة ، فلا يستطيعون لما هو فيه من الحديد ، ولأنه لا تزال تناوشهم خيل المسلمين ، فإذا رجع المسلمون وثبوا على مجاعة ليقتلوه ، وقالوا : اقتلوا عدو الله ، فإنه رأسهم ، وأنهم إن دخلوا عليه أخرجوه ، فإذا أشهروا عليه سيوفهم ليقتلوه ، حنت عليه أم متمم امرأة خالد وردتهم عنه ، وقالت : إنى له جار ، حتى أجارته منهم ، وكان مجاعة أيضا ، قد أجارها من المشركين مرارا أن يقتلوها على هذا الوجه.
وقد كان مجاعة قال لها لما دفعه إليها خالد لتحسن إساره : يا أم متمم ، هل لك أن أحلفك ، إن غلب أصحابى كنت لك جارا ، وأنت كذلك؟ فقالت : نعم ، فتحالفا على ذلك.
وقال عكرمة : حملت حنيفة أول مرة كانت لها الحملة ، وخالد على سريره حتى خلص إليه ، فجرد سيفه وجعل يسوق حنيفة سوقا ، حتى ردهم ، وقتل منهم قتلى كثيرة ، ثم كرت حنيفة حتى انتهوا إلى فسطاط خالد ، فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف.
قال الواقدى : وبلغنا أن رجلا منهم لما دخلوا الفسطاط ، أراد قتل أم متمم ، ورفع السيف عليها ، فاستجارت بمجاعة ، فألقى عليها رداءه ، وقال : إنى جار لها فنعمت الحرة كانت ، وعيرهم وسبهم (١) ، وقال : تركتم الرجال وجئتم إلى امرأة تقتلونها ، عليكم بالرجال ، فانصرفوا ، وجعل ثابت بن قيس يومئذ يقول ، وكانت معه راية الأنصار : بئس ما عودتم أنفسكم الفرار يا معشر المسلمين.
وقد انكشف المسلمون حتى غلبت حنيفة على الرحال ، فجعل زيد بن الخطاب ينادى ، وكانت عنده راية خالد : أما الرحال فلا رحال ، وأما الرجال فلا رجال ، اللهم إنى اعتذر إليك من فرار أصحابى ، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ، ومحكم بن طفيل ، وجعل يشتد بالراية ، يتقدم بها فى نحر العدو ، ثم ضارب بسيفه حتى قتل ، رحمهالله ، فلما قتل وقعت الراية ، فأخذها سالم مولى أبى حذيفة ، فقال المسلمون : يا سالم ، إنا نخاف أن نؤتى من قبلك ، فقال : بئس حامل القرآن أنا إذا إن أتيتم من قبلى.
قالوا : ونادت الأنصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم : الزمها ، فإنما ملاك القوم الراية.
__________________
(١) انظر : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨١).