وفى كتاب الأموى : ثم مضى خالد حتى نزل منزله من اليمامة ، ببعض أوديتها ، وخرج الناس مع مسيلمة.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : لما أشرف خالد بن الوليد وأجمع أن ينزل عقرباء (١) ، دفع الطلائع أمامه ، فرجعوا إليه ، فخبروه أن مسيلمة ومن معه قد خرجوا فنزلوا عقرباء ، فشاور أصحابه أن يمضى إلى اليمامة ، أو ينتهى إلى عقرباء ، فأجمعوا له أن ينتهى إلى عقرباء ، فزحف خالد بالمسلمين حتى نزلوا عقرباء ، وضرب عسكره.
وقد قيل : إن خالدا هو الذي سبق إلى عقرباء ، فضرب عسكره ثم جاء مسيلمة فضرب عسكره (٢). ويقال : توافيا إليها جميعا.
قالوا : وكان المسلمون يسألون عن الرجال بن عنفوة ، فإذا الرجال على مقدمة مسيلمة ، فلعنوه وشتموه ، فلما فرغ خالد من ضرب عسكره ، وحنيفة تسوى صفوفها ، نهض خالد إلى صفوفه فصفها ، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب ، ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس ، فتقدم بها ، وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وعلى ميسرته شجاع بن وهب ، واستعمل على الخيل البراء بن مالك ، ثم عزله واستعمل عليها أسامة بن زيد ، وأمر بسرير فوضع فى فسطاطه ، واضطجع عليه يتحدث مع مجاعة ، ومعه أم متمم وأشراف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يتحدث معهم ، وأقبلت بنو حنيفة قد سلت السيوف ، فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهارا طويلا ، فقال خالد : يا معشر المسلمين ، أبشروا ، فقد كفاكم الله عدوكم ، ما سلوا السيوف من بعيد إلا ليرهبونا ، وإن هذا منهم لجبن وفشل ، فقال مجاعة ونظر إليهم : كلا والله يا أبا سليمان ، ولكنها الهندوانية ، خشوا من تحطمها ، وهى غداة باردة ، فأبرزوها للشمس لأن تسخن متونها.
فلما دنوا من المسلمين نادوا : إنا نعتذر من سلنا سيوفنا حين سللناها ، والله ما سللناها ترهيبا لكم ولا جبنا عنكم ، ولكنها كانت الهندوانية ، وكانت غداة باردة ، فخشينا تحطمها ، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم ، فسترون.
قال : فاقتتلوا قتالا شديدا ، وصبر الفريقان جميعا صبرا طويلا ، حتى كثرت القتلى والجراح فى الفريقين ، وكان أول قتيل من المسلمين مالك بن أوس من بنى زعوراء ، قتله
__________________
(١) عقرباء : موضع بناحية اليمامة. انظر : الروض المعطار (٤١٩ ـ ٤٢٠) وذكر فيه هذا الخبر.
(٢) قال فى الفتوح (١ / ٣١) : سار خالد بن الوليد بالمسلمين حتى نزل بموضع يقال له : عقرباء من أرض اليمامة ، فضرب عسكره هناك ، وسار مسيلمة فى جميع بنى حنيفة حتى نزل حذاء خالد.