رجاك رجاهما ، ولقد خفتك ورجوتك ، ولقد علمت أنى قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبايعته على الإسلام ، ثم رجعت إلى قومى ، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس ، فإن يكن كذاب خرج فينا ، فإن الله يقول : (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ١٨].
وقد عجلت فى قتل أصحابى قبل التأنى بهم ، والخطأ مع العجلة ، فقال خالد : يا مجاعة ، تركت اليوم ما كنت عليه أمس ، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب ، وسكوتك عنه وأنت أعز أهل اليمامة ، وقد بلغك مسيرى ، إقرارا له ، ورضى بما جاء به ، فهلا أبليت عذرا ، فتكلمت فيمن تكلم ، فقد تكلم ثمامة بن أثال فرد وأنكر ، وقد تكلم اليشكرى ، فإن قلت أخاف قومى ، فهلا عمدت إلىّ تريد لقائى ، أو كتبت إلىّ كتابا أو بعثت إلىّ رسولا ، وأنت تعلم أنى قد أوقعت بأهل بزاخة ، وزحفت بالجيوش إليك. فقال مجاعة : إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله فعلت. فقال خالد : قد عفوت عن دمك ، ولكن فى نفسى من تركك حوجا بعد ، فقال مجاعة : أما إذا عفوت عن دمى فلا أبالى.
وكان خالد كلما نزل منزلا واستقر به دعا مجاعة فأكل معه وحدثه ، فقال له ذات يوم : أخبرنى عن صاحبك يعنى مسيلمة ، ما الذي يقرأ عليكم؟ هل تحفظ منه شيئا؟ قال:نعم ، فذكر له شيئا من رجزه ، قال خالد وضرب بإحدى يديه على الأخرى : يا معشر المسلمين ، اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن ، ثم قال : ويحك يا مجاعة ، أراك رجلا سيدا عاقلا ، اسمع إلى كتاب الله عزوجل ، ثم انظر كيف عارضه عدو الله ، فقرأ عليه خالد : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، فقال مجاعة : أما إن رجلا من أهل البحرين كان يكتب ، أدناه مسيلمة وقربه حتى لم يكن يعد له فى القرب عنده أحد ، فكان يخرج إلينا فيقول : يا أهل اليمامة ، صاحبكم والله كذاب ، وما أظنكم تتهموننى عليه ، إنكم لترون منزلتى عنده ، وحالى ، هو والله يكذبكم ويأتيكم بالباطل.
قال خالد : فما فعل ذلك البحرانى؟ قال : هرب منه ، كان لا يزال يقول هذا القول حتى بلغه ، فخافه على نفسه ، فهرب ، فلحق بالبحرين ، قال خالد : فما كان فى هذا ناه ولا زاجر ، ثم قال : هات زدنا من كذب الخبيث ، فقال مجاعة : أخرج لكم حنطة وزؤانا ، ورطبا وتمراتا ، فى رجز له ، فقال خالد : وهذا كان عندكم حقا؟ وكنتم تصدقونه؟ قال مجاعة : لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غدا أكثر من عشرة آلاف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الأعجل ، قال خالد : إذا يكفيناهم الله ويعز دينه ، فإياه تقاتلون ودينه تريدون.