على تعبئته حتى إذا أدرك القوم والتقوا فاقتتلوا ساعة ، ثم رزق الله عكرمة عليهم الظفر ، فهزمهم وأكثر فيهم القتل ، وخرجوا منهزمين راجعين إلى لقيط بن مالك ، فأخبروه أن جمع عكرمة مقبل إليهم ، وأنهم لا طاقة لهم بهم ، وفقدوا من أصحابهم بشرا كثيرا ، منهم من قتل ومنهم من أسره عكرمة أسرا.
فلما انتهوا إلى لقيط مفلولين قوى حذيفة بن اليمان بمن معه من المسلمين ، فناهضهم وناوشهم ، وجاء عكرمة فى أصحابه ، فقاتل معهم ، فأصابوا منهم مائة أو نحوها فى المعركة ، ثم انهزموا حتى دخلوا مدينة دبا (١) ، فتحصنوا فيها ، وحصرهم المسلمون فى حصنهم شهرا أو نحوه ، وشق عليهم الحصار ، إذ لم يكونوا أخذوا له أهبته ، فأرسلوا إلى حذيفة رجلا منهم يسألونه الصلح ، فقال : لا إلا أن أخيرهم بين حرب مجلية أو سلم مخزية ، قالوا : أما الحرب المجلية فقد عرفناها ، فما السلم المخزية؟.
قال : تشهدون أن قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار ، وأن ما أخذنا منكم فهو لنا وأن ما أخذتموه منا فهو رد علينا ، وأنا على حق وأنكم على باطل وكفر ونحكم فيكم بما رأينا ، فأقروا بذلك ، فقال : اخرجوا عن مدينتكم عزلا لا سلاح معكم ، ففعلوا ، فدخل المسلمون حصنهم ، فقال حذيفة : إنى قد حكمت فيكم : أن أقتل أشرافكم ، وأسبى ذراريكم. فقتل من أشرافهم مائة رجل ، وسبى ذراريهم ، وقدم حذيفة بسبيهم إلى المدينة وهم ثلاثمائة من المقاتلة ، وأربعمائة من الذرية والنساء ، وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبى بكر ، فلما قدم حذيفة بسبيهم المدينة ، اختلف فيهم المسلمون ، فكان زيد بن ثابت يحدث أن أبا بكر أنزلهم دار رملة بنت الحارث ، وهو يريد أن يقتل من بقى من المقاتلة.
فكان من كلام عمر له : يا خليفة رسول الله ، قوم مؤمنون إنما شحوا على أموالهم ، والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ، ولكن شححنا على أموالنا ، فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول ، ولم يزالوا موقفين فى دار رملة بنت الحارث ، حتى توفى أبو بكر رضياللهعنه ، وولى عمر ، فدعاهم ، فقال : قد كان من رأيى يوم قدم بكم على أبى بكر أن يطلقكم ، وقد أفضى إلى الأمر ، فانطلقوا إلى أى البلاد شئتم ، فأنتم قوم أحرار لا فدية عليكم ، فخرجوا حتى نزلوا البصرة ، وكان فيهم أبو صفرة والد المهلب ، وهو غلام يومئذ ، فكان ممن نزل البصرة.
__________________
(١) دبا : مثل عصا ، موضع بظهر الحيرة ، ودبا فيما بين عمان والبحرين. انظر : الروض المعطار (٢٣٢).