قيس بن مكشوح المرادى ، فابعث به إلى فى وثاق ، فسار عكرمة حتى دخل أرض مهرة ، فقتل فيهم وسبى ، وسار كذلك لا يطأ قوما إلا قاتلوه وقاتلهم ، فقتل منهم وسبى ، حتى رجعوا إلى الإسلام ، وبعث بسبيهم إلى أبى بكر بالمدينة ، ثم مضى على وجهه حتى خرج إلى صنعاء ، فلقيه قيس وهو لا يدرى بالذى أمر فيه ، فأمر به عكرمة ، فجعل فى جامعة ، وبعث به إلى أبى بكر ، فلما دخل عليه عرفه أبو بكر بقتل داذويه ، فحلف له ما يدرى من أمره شيئا ، ولا يدرى من قتله ، ورغب فى الجهاد فى سبيل الله ، فخرج إلى قومه من مذحج ، فاستجلبهم إلى الجهاد ورغبهم فيه ، فخفوا فى ذلك وخرجوا حتى توجهوا إلى من بعث أبو بكر إلى الشام ، فذلك أول نزول مذحج الشام.
ثم إن الأصفر العكى خرج هو وجماعة من قومه ممن ثبت على الإسلام حتى دخل نجران (١) ، وهو يريد قتال بنى الحارث بن كعب ، فلما دخل عليهم الأصفر رجعوا إلى الإسلام من غير قتال ، فأقام الأصفر فى نجران ، وضبطها ، وغلب عليها ثم أمر أبو بكر المهاجر بن أبى أمية أن يستنفر من مر به من مضر ويقويهم ويعطيهم من مال أعطاه إياه أبو بكر ، فسار المهاجر يؤم صنعاء ، معه سرية من المهاجرين والأنصار ، فيجد المهاجر بنجران الأصفر العكى ، ثم سار المهاجر إلى صنعاء ومعه بشر كثير ، فلقى جماعة من أصحاب الأسود منفصين ، فأخذ عليهم الطريق وألجأهم إلى غيضة ، فقتل منهم وأسر ، ثم أقبل بالأسرى ، ومضى حتى دخل صنعاء ، وقد كانت طوائف من زبيد (٢) ارتدت منهم عمرو بن معدى كرب ، فاجتمع إلى خالد بن سعيد من ثبت على الإسلام من مراد وسائر مذحج ، فلقى بهم بنى زبيد ، فانهزموا وظفر بهم خالد ، فسبى منهم نسوة ، منهن امرأة عمرو بن معدى كرب جلالة ، وكانت أحسن النساء ، وكان عمرو فيما ذكروا ، غائبا عن ذلك القتال ، فلما ظفر خالد ، سألت منه زبيد أن يقرهم على الإسلام ويكف عنهم ، فكف عنهم ، وأسلموا ، وبلغ الخبر عمرا ، فأقبل حتى نزل بجانب عسكر خالد ، ثم خرج ليلا فتلطف حتى لقى جلالة ، فقال لها : يا جلالة ، ما صنع بك خالد؟ فقالت : لم يصنع بى إلا خيرا ، ولم يعرض علىّ من أمره إلا كرما ، قال : هل قربك؟ قالت : لا والله ، وما يحل له ذلك فى دينه ، قال : فو رب الكعبة إن دينا منعه منك لدين صدق.
__________________
(١) نجران : من بلاد اليمن ، سميت بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. انظر : الروض المعطار (٥٧٣ ـ ٥٧٦).
(٢) زبيد : مدينة باليمن بقرب الجند ومعاثر ، تسير فى صحراء رمال حتى تنتهى إلى زبيد ، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر من زبيد. انظر : الروض المعطار (٢٨٤) ، نزهة المشتاق (٢٠).