موعدا أتوا لميقاته ، وقد سقته الخمر حتى سكر ، فسقط نائما كالميت ، فدخل عليه فيروز وقيس ونفر معهما ، فوجدوه على فراش عظيم من ريش ، قد غاب فيه ، فأشفق فيروز أن يتعادى عليه السيف إن ضربه به ، فوضع ركبته على صدر الكذاب ، ثم فتل عنقه فحولها ، حتى حول وجهه من قبل ظهره ، وأمر فيروز قيسا ، فاحتز رأسه ، فرمى به إلى الناس ، ففض الله الذين اتبعوه ، وألقى عليهم الخزى والذلة ، وخطب الناس قيس بن مكشوح ، وأظهر أن الكذاب قتل بكذبه على الله ، وأن محمدا رسول الله.
وبلغ الخبر بذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو فى مرضه الذي توفى فيه ، فقال صلىاللهعليهوسلم ، وذكر الأسود : «قتله الرجل الصالح فيروز الديلمى» (١) ، ورد فيروز وداذويه الأمر إلى قيس بن المكشوح ، فكان أمير صنعاء ، وبها يومئذ جماع من أصحاب الأسود الكذاب ، فلما بلغتهم وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثبت قيس والأبناء وأهل صنعاء على الإسلام ، إلا أصحاب الأسود.
ثم إن قيسا خاف فيروز وداذويه أن يغلباه على سلطان صنعاء ، فأجمع أن يفتك بهما ، فأرسل إليهما يدعوهما ، فجاء داذويه فقتله ، وأقبل فيروز يريده ، فأخبره بقتل داذويه ، فهرب منه إلى أبى بكر رضياللهعنه ، وارتد قيس بن المكشوح ، وأخرج الأبناء من صنعاء ، فلم يبق بها أحد إلا فى جوار ، فكان الشعبى يقول فيما ذكر عنه : باليمن رجلان لو انبغى لأحد أن يسجد لشىء دون الله لانبغى لأهل اليمن أن يسجدوا لهما : سيف بن ذى يزن فى الحبشة ، وقيس بن مكشوح فى الأبناء الذين بصنعاء ، يعنى إخراج سيف الحبشة وإخراج قيس الأبناء.
ولما بلغ خالد بن سعيد بن العاص ردة صنعاء ، سار يومها ، وكان فى ناحية أرض مراد ، حتى دخلها ، فاستعداه فيروز على قيس فى قتل داذويه ، فبعث إليه من يأتى به ، فذهب الرسول فأخذه ، ثم أقبل به حتى إذا كان قريبا من صنعاء اختدع قيس الرسول حتى انفلت منه فدخل على خالد فقال : من جاءكم مسلما قد أصاب فى الجاهلية أشياء ما ذا عليه؟ فقال له خالد : هدم الإسلام ما قبله ، فأسلم قيس ، ثم خرج مع خالد إلى الصلاة فيجد فيروز فى المسجد ، فقال له : يا فيروز ، هل لك حاجة إلى الأمير؟.
فانكسر فيروز ودخل على خالد فاستعداه على قيس ، فبعث أبو بكر إلى عكرمة بن أبى جهل ، وهو يومئذ بأرض عمان : أن سر فى بلاد مهرة حتى تخرج على صنعاء ، فخذ
__________________
(١) انظر الحديث فى : كنز العمال للمتقى الهندى (٣٧٤٧٢).