قالوا : فكان زياد يقاتلهم النهار إلى الليل ، فلما كان يوم من تلك الأيام ، ضاربهم كذلك حتى أمسى ، ولم يكن فيما مضى يوم أشد منه ، كانت بينهم فيه قتلى وجراح. قال أبو هند : برز منهم يومئذ رجل يدعو إلى البراز ، فبرزت إليه ، فتشاولنا بالرمحين نهارا طويلا ، فلم يظفر واحد منا بصاحبه ، ثم صرنا إلى السيفين ، فما قدر واحد منا على صاحبه ، ونحن فارسان إلى أن عثر فرسه ، فاقتحم وصار راجلا ، ويدرك فرسى فيضرب عرقوبيه ، فوقعت إلى الأرض ، وأفضى أحدنا إلى صاحبه ، فبدرته ، فأضربه ، فأقطع يده من المنكب ، فوقع السيف من يده ، وولى منهزما ، وألحقه ، فأجهزت عليه ، فما خرج أحد يدعو إلى البراز حتى صلح أمرهم.
قالوا : فلما أمسوا من ذلك اليوم ، وتفرقوا ، وزياد فى بيته قد بعث العيون ، إذ جاءه عين له بعد أن ذهب عامة الليل فدله على عورة من عدوه ، وقال : هل لك فى الظفر؟ فقال : ما هو؟ قال : ملوكهم الأربعة فى محجرهم قد ثملوا من الشراب ، فسار من ساعته فى مائة رجل من أصحابه حتى انتهوا إلى المحجر ، فتقدم العين فاستمع الصوت فإذا القوم قد هدوا وناموا ، فأغار عليهم ، فقتل الملوك الأربعة ، مخرس ومشرح وحمد وأبضعة ، وأختهم العمرة ذبحهم ذبحا ، وكانوا ملوك كندة وأشرافهم.
ويقال : كانت الملوك سبعة : الأشعث بن قيس ، ومخرس ، وحمد ، ووديعة ، وأبضعة ، ومشرح ، ووليعة. فقتل منهم أربعة ، ثم رجع زياد إلى أهله ، فأصبح القوم قد انكسر حدهم وذلوا.
وقالوا : إن العمردة لما توفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ضربت بغربال ، فقطع زياد لذلك يدها ، وصلبها ، فهى كانت أول امرأة قتلت فى الردة.
وبعث زياد أبا هند إلى أبى بكر وكتب معه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، لأبى بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من زياد بن لبيد ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإن الناس قبلنا منعوا الصدقة ، أو عامتهم وأبوا أن يسلموها ، وقاتلوا دونها أشد القتال ، وأظهروا الردة عن الإسلام ، فبعثت عيونا فى طلب غرتهم ، فأتانى آت منهم يخبرنى بغرة منهم ، فزحفت إليهم ليلا ، فقتلتهم فى محجرهم ، وكانوا أربعة : مخرس ومشرح وحمد وأبضعة ، وأختهم العمردة ، فأصبحوا وقد ذلوا وانكسروا ، وإنى كتبت إليك والسيف على عاتقى ، وبعثت إليك أبا هند بالكتاب ، وأمرته أن يجد السير ، وأن يخبرك بما رأى وشهد ، وإن الكتاب موجز ، وعنده علم ما كنا فيه ، والسلام.