فيروى أن أبا هند قال : خرجت من عند زياد بعد أن صليت الغداة على راحلتى ، ومعى رجل من بنى قتيرة على راحلة خفير لى ، فبلغ بى صنعاء ، ثم انصرف ، فسرت من حضرموت إلى المدينة تسع عشرة ، فأرخفت (١) راحلتى ، وما مسيت عنها أكثر مما ركبت ، وانتهيت إلى أبى بكر ، فأجده حين خرج إلى الصلاة ، فلما رآنى قال : أبا هند ، ما ورائك؟ قلت : خير ، والذي يسرك. قتل الملوك الأربعة وأختهم العمردة ، قال : قد كنت كتبت إلى زياد أنهى أن يقتل الملوك من كندة ، وبعثت بذلك المغيرة بن شعبة ، أما لقيته؟ قلت : ما لقيته.
وقدم المغيرة خلافى ، وذلك أنه أخطأ الطريق ، فذلك الذي أبطأ به ، وجعل أبو بكر يسألنى ، فأخبره عن كل ما يسره ، ثم قال : ما فعل الأشعث بن قيس؟ قلت : يا خليفة رسول الله ، هو أول من نقض ، وهو رأس من بقى ، وقد ضوى إليه ناس كثير ، وقد تحصن فى النجير بمن معه ممن هو على رأيه ، والله مخزيهم ، وقد تركت زياد بن لبيد يريد محاصرتهم ، فقال أبو بكر : قد كتبت إلى المهاجر بن أبى أمية أن يمد زيادا ويكون أمرهما واحدا.
وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لما قتل الأسود العنسى (٢) بعث المهاجر واليا على صنعاء ، فتوفى صلىاللهعليهوسلم ، والمهاجر وال عليها ، فانحاز إلى زياد بحضرموت ، كما أمره أبو بكر.
وكانت قتيرة من كندة قد ثبتت على الإسلام ، لم يرجع منها رجل واحد ، فلما قدم المهاجر على زياد اشتد أمرهما ، وكانا يحاصران أهل النجير ، وكان أهل النجير قد غلقوه ، فلما قتل الملوك الأربعة دخلوا مع الأشعث بن قيس ، وجثم زياد ومهاجر على النجير ، فحاصروا أهله بالمسلمين ، لا يفارقونه ليلا ولا نهارا ، وقذف الله الرعب فى أفئدتهم ، فلما اشتد به الحصار ، بعثوا إلى زياد بن لبيد : أن تنح عنا حتى نكون نخرج ونخليك والحصن ، فقال : لا أبرح شبرا واحدا حتى نموت من آخرنا أو تنزلوا على حكما ورأينا ، وجعل يكايدهم لما يرى من جزعهم. فكتب كتابا ، ثم بعث به فى السر مع رجل من بنى قتيرة ليلا ، مسيرة يوم أو بعض يوم ، ثم يأتيه بكتابه الذي كتبه فيقرؤه على الناس :
من أبى بكر خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إلى زياد بن لبيد ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك
__________________
(١) أرخف : بالكسر أى تعب. انظر اللسان (١٦١٦).
(٢) انظر خبر قتل الأسود العنسى فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١٩) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٢٣٦).