من المهاجرين والأنصار : صدق عثمان ، ما رأيت من الرأى فامضه ، فإنا سامعون لك ، مطيعون ، لا نخالف أمرك ، ولا نتهم رأيك ، ولا نتخلف عن دعوتك وإجابتك.
فذكروا هذا وأشباهه ، وعلى رضياللهعنه ، فى القوم لا يتكلم ، فقال له أبو بكر رضياللهعنهما : ما ذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال : أرى أنك مبارك الأمر ، ميمون النقيبة ، وإنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت إن شاء الله تعالى. قال : بشرك الله بخير ، ومن أين علمت هذا؟.
قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقول : «لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناوأه حتى تقوم الساعة وأهله ظاهرون» (١).
فقال أبو بكر : سبحانه الله! ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتنى به ، سرك الله فى الدنيا والآخرة.
ثم إنه قام فى الناس فذكر الله بما هو أهله ، وصلى على نبيه صلىاللهعليهوسلم ثم قال : أيها الناس ، إن الله تعالى ، قد أنعم عليكم بالإسلام ، وأعزكم بالجهاد ، وفضلكم بهذا الدين على أهل كل دين ، فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام ، فإنى مؤمر عليكم أمراء ، وعاقد لهم عليكم ، فأطيعوا ربكم ، ولا تخالفوا أمراءكم ، ولتحسن نيتكم وسريرتكم وطعمتكم ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فسكت القوم ، فو الله ما أجابه أحد هيبة لغزو الروم ، لما يعلمون من كثرة عددهم وشدة شوكتهم ، فقام عمر رحمهالله ، فقال : يا معشر المسلمين ، ما لكم لا تجيبون خليفة رسول الله إذا دعاكم لما يحييكم؟ أما لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لابتدرتموه! فقام إليه عمرو بن سعيد فقال : يا ابن الخطاب ، ألنا تضرب أمثال المنافقين؟ فما يمنعك مما عتبت علينا فيه؟. فقال : الاتكال ، على أنه يعلم أنى أجيبه لو يدعونى ، وأغزو لو يغزينى.
فقال عمرو : ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا ، فإنما نغزو لله ، فقال أبو بكر لعمرو: اجلس رحمك الله ، فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه ، إنما أراد أن يبعث بما سمعت المتثاقلين إلى الأرض عن الجهاد ، فقام خالد بن سعيد (٢) فقال : صدق خليفة
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٥ / ٨٧) ، المستدرك للحاكم (٤ / ٤٤٩) ، كنز العمال للمتقى الهندى (١٤١٧٢ ، ٣٤٥٥٨) ، الدر المنثور للسيوطى (٣ / ١٨).
(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٦١٧) ، الإصابة الترجمة رقم (٢١٧٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٣٦٥) ، نسب قريش (١٧٤) ، طبقات ابن خليفة (١١ / ٢٩٨) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (١٧٢) ، تاريخ الإسلام (١ / ٣٧٨) ، العقد الثمين (٤ / ٢٦٧).