ثم بعثت إلينا رسولا رحمة منك وفضلا علينا ، فهديتنا وكنا ضلالا ، وحببت إلينا الايمان وكنا كفارا ، وكثرتنا وكنا قليلا ، وجمعتنا وكنا أشتاتا ، وقويتنا وكنا ضعفاء ، ثم فرضت علينا الجهاد وأمرتنا بقتال المشركين حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، اللهم إنا أصبحنا نطلب رضاك ، بجهاد من عاداك ، ثم عدل بك وعبد معك آلهة غيرك ، لا إله إلا أنت تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، اللهم فانصر عبادك المسلمين على عدوك من المشركين ، اللهم افتح لهم فتحا يسيرا ، وانصرهم نصرا عزيزا ، وشجع جبنهم ، وثبت أقدامهم وزلزل بعدوهم ، وأدخل الرعب قلوبهم ، واستأصل شأفتهم ، واقطع دابرهم ، وأبد خضراءهم ، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم وآثارهم ، وكن لنا وليا ، وبنا حفيا ، وأصلح لنا شأننا ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، ثبتنا الله وإياكم بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ، إنه بالمؤمنين رءوف رحيم.
وعن أنس قال : لما بعث أبو بكر رحمهالله ، يزيد بن أبى سفيان إلى الشام لم يسر من المدينة حتى جاء شرحبيل بن حسنة إلى أبى بكر ، فقال : يا خليفة رسول الله ، إنى قد رأيت فيما يرى النائم كأنك فى جماعة من المسلمين كثيرة ، وكأنك بالشام ونحن معك ، إذ استقبلك النصارى بصلبها ، والبطارقة بكتبها ، وانحطوا عليك من كل شرف وحدب ، وكأنهم السيل ، فاعتصمنا بلا إله إلا الله ، وقلنا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ثم نظرنا فإذا نحن بالقرى والحصون من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم ، فإذا نحن بآت قد أتى ، فنزل بأعلى شاهقة فى الجبل حتى استوى بالحضيض ، ثم أخرج كفه وأصابعه فإذا هى نار ، ثم إنه أهوى بها إلى ما قابله من القرى والحصون ، فصارت نارا تأجج ، ثم إنها خبت فصارت رمادا ، ثم نظرنا إلى ما استقبلنا من نصاراهم وبطارقتهم وجموعهم فإذا الأرض قد ساخت بهم ، فرفع الناس رءوسهم وأيديهم إلى ربهم يحمدونه ويمجدونه ويشكرونه ، فهذا ما رأيت ، ثم انتبهت.
فقال أبو بكر رضياللهعنه : نامت عينك ، هذه بشرى ، وهو الفتح إن شاء الله لا شك فيه ، وأنت أحد أمرائى ، فإذا سار يزيد بن أبى سفيان فأقم ثلاثا ثم تيسر للسير ، ففعل ، فلما مضى اليوم الثالث أتاه من الغد يودعه ، فقال له : يا شرحبيل ، ألم تسمع وصيتي يزيد بن أبى سفيان؟ قال : بلى ، قال : فإنى أوصيك بمثلها ، وأوصيك بخصال أغفلت ذكرهن لابن أبى سفيان ، أوصيك بالصلاة لوقتها ، وبالصبر يوم البأس حتى تظفر أو تقتل ، وبعيادة المرضى وحضور الجنائز ، وبذكر الله كثيرا على كل حال ، فقال له أبو