الأرض من المهاجرين ولا غيرهم من أعدله بك ، ولا بهذا ، يعنى عمر ، رحمهالله ، ولا له عندى فى المنزلة إلا دون ما لك. فقال أبو عبيدة : رحمك ربك يا خليفة رسول الله ، هذا كان ظنى بك.
قال : فانصرف ، فلما كان من الغد خرج أبو بكر فى رجال من المسلمين على رواحلهم ، حتى أتى أبا عبيدة ، فسار معه حتى بلغ ثنية الوداع ، ثم قال حين أراد أن يفارقه : يا أبا عبيدة ، اعمل صالحا ، وعش مجاهدا ، ولتتوف شهيدا ، وليعطك الله كتابك بيمينك ، ويقر عينك فى دنياك وآخرتك ، فو الله إنى لأرجو أن تكون من التوابين الأوابين الزاهدين فى الدنيا الراغبين فى الآخرة ، إن الله تبارك وتعالى قد صنع بك خيرا وساقه إليك إذ جعلك تسير فى جيش من المسلمين تقاتل به من كفر بالله وعبد غيره.
فقال أبو عبيدة : رحمك الله يا خليفة رسول الله ، فنشهد بفضلك فى إسلامك ، ومناصحتك الله ، ومجاهدتك بعد رسول الله من تولى عن دين الله حتى ردهم الله بك إلى الدين وهم صاغرون ، ونشهد أنك رحيم بالمؤمنين ، ذو غلظة على الكافرين ، فبورك لك فيما عملت ، وسددت فيما حملت ، إن أكن صالحا فلربى المنة علىّ بصلاحى ، وإن أكن فاسدا فهو ولى إصلاحى ، وأما أنت فنرى أن نجيبك إذا دعوت ، وأن نطيعك إذا أمرت.
ثم إنه تأخر ، وتقدم إليه معاذ بن جبل فقال : يا خليفة رسول الله ، إنى أردت أن يكون ما أكلمك به الآن بالمدينة قبل شخوصنا عنها ، ثم بدا لى أن أؤخر ما أردت من ذلك حتى يكون عند وداعى ، فيكون ذلك آخر ما أفارقك عليه ، قال : هات يا معاذ ، فو الله إنك ما علمت لسديد القول ، موفق الرأى ، رشيد الأمر ، فأدنى راحلته ، ومقود فرسه فى يده ، وهو متنكب القوس ومتقلد السيف ، فقال : إن الله تعالى بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم ، برسالته إلى خلقه ، فبلغ ما أحب أن يبلغ ، وكان كما أحب ربه أن يكون ، فقبضه الله إليه وهو محمود مبرور صلوات الله عليه وبركاته ، إنه حميد مجيد ، جزاه الله عن أمته كأحسن ما يجزى النبيين ، ثم إن الله تعالى استخلفك أيها الصديق عن ملأ من المسلمين ، ورضى منهم بك ، فارتد مرتدون ، وأرجف مرجفون ، ورجعت راجعة عن هذا الدين ، فأدهن بعضنا ، وحار جلنا ، وأحب المهادنة والموادعة طائفة منا ، واجتمع رأى الملأ الأكابر منا أن يتمسكوا بدينهم ويعبدوا الله حتى يأتيهم اليقين ، ويدعوا الناس وما ذهبوا إليه ، فلم ترض منهم بشيء كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يرده عليهم ، فنهضت بالمسلمين ، وشمرت للمجرمين ، وشددت بالمطيع المقبل على العاصى المدبر ، حتى أجاب إلى الحق من كان عند عنه ،