وزجل عن الباطل من كان مرتكسا فيه ، فلما تمت نعمة الله عليك وعلى المسلمين فى ذلك قدت المسلمين إلى هذا الوجه الذي يضاعف الله لهم فيه الأجر ، ويعظم لهم الفتح والمغنم ، فأمرك مبارك ، ورأيك محمود ورشيد ، ونحن وصالحو المؤمنين نسأل الله لك المغفرة والرحمة الواسعة والقوة فى العمل بطاعة الله فى عافية ، وإن هذا الذي تسمع من دعائى وثنائى ومقالتى لتزداد فى فعل الخير رغبة ، وتحمد الله تعالى على النعمة ، وأنا معيد هذا على المؤمنين ليحمدوا الله على ما أبلاهم واصطنع عندهم بولايتك عليهم.
ثم أخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فودعه ، ودعا له ، ثم تفرقا ، وانصرف أبو بكر رحمهالله ، ومضى ذلك الجيش ، وقال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد وقد تهيأ للخروج مع أبى عبيدة : لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبى سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره. فقال : ابن عمى أحب إلىّ من هذا فى قرابته ، وهذا أحب إلىّ من ابن عمى فى دينه ، هذا كان أخى فى دينى على عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وولىّ وناصرى على ابن عمى قبل اليوم ، فأنا به أشد استئناسا وإليه أشد طمأنينة.
فلما أراد أن يغدو سائرا إلى الشام لبس سلاحه ، وأمر إخوته فلبسوا أسلحتهم : عمرا ، وأبانا ، والحكم ، وعلقمة ومواليه ، ثم أقبل إلى أبى بكر ، رحمهالله ، عند صلاة الغداة فصلبى معه ، فلما انصرفوا قام إليه هو وإخوته ، فجلسوا إليه ، فحمد الله خالد وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : يا أبا بكر ، إن الله تبارك وتعالى ، قد أكرمنا وإياك والمسلمين عامة بهذا الدين ، فأحق من أقام السنة وأمات البدعة وعدل فى السيرة الوالى على الرعية ، وكل امرئ من أهل هذا الدين محفوف بالإحسان ، ومعدلة الوالى أعم نفعا ، فاتق الله يا أبا بكر فيمن ولاك أمره ، وارحم الأرملة واليتيم ، وأعن الضعيف والمظلوم ، ولا يكن رجل من المسلمين إذا رضيت عنه آثر عندك فى الحق منه إذا سخطت عليه ، ولا تغضب ما قدرت على ذلك ، فإن الغضب يجر الجور ، ولا تحقد على مسلم وأنت تستطيع ، فإن حقدك على المسلم يجعلك له عدوا ، وإن اطلع على ذلك منك عاداك ، وإذا عادى الوالى الرعية وعادت الرعية الوالى كان ذلك قمنا أن يكون إلى هلاكهم داعيا ، ولن للمحسن واشتد على المريب ، ولا تأخذك فى الله لومة لائم.
ثم قال : هات يدك يا أبا بكر ، فإنى لا أدرى أنلتقى فى الدنيا أم لا ، فإن قضى الله لنا فى الدنيا البقاء ، فنسأل الله عفوه وغفرانه ، وإن كانت هى الفرقة التي ليس بعدها لقاء ، فعرفنا الله وإياك وجه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فى جنات النعيم.