فأخذ أبو بكر رضياللهعنه ، بيده فبكى ، وبكى خالد ، وبكى المسلمون وظنوا أنه يريد الشهادة ، وطال بكاؤهم ، ثم إن أبا بكر رضياللهعنه ، قال : انتظر نمشى معك ، قال : ما أريد أن تفعل ، قال : لكنى أريد ذلك ، ومن أراده من المسلمين ، فقام ، وقام الناس معه حتى خرج من بيوت المدينة ، فما رأيت مشيعا من المسلمين شيعه أكثر ممن شيع خالد بن سعيد يومئذ وإخوته ، فلما خرج من المدينة قال أبو بكر : إنك قد أوصيتنى برشدى وقد وعيت ، وأنا موصيك فاسمع وصاتى وعها ، إنك امرؤ قد جعل الله لك سابقة فى الإسلام وفضيلة عظيمة ، والناس ناظرون إليك ومستمعون منك ، وقد خرجت فى هذا الوجه العظيم الأجر وأنا أرجو أن يكون خروجك فيه بحسبة ونية صادقة إن شاء الله تعالى ، فثبت العالم ، وعلم الجاهل ، وعاتب السفيه المسرف ، وانصح لعامة المسلمين ، واخصص الوالى على الجهد من نصيحتك ومشورتك بما يحق لله وللمسلمين عليك ، واعمل لله كأنك تراه ، واعدد نفسك فى الموتى وأعلم أنا عما قليل ميتون ثم مبعثون ثم مسئولون ومحاسبون ، جعلنا الله وإياك لأنعمه من الشاكرين ، ولنقمه من الخائفين.
ثم أخذ بيده فودعه ، وأخذ بأيدى إخوته بعد ذلك فودعهم واحدا واحدا ، ثم ودعهم المسلمون ، ثم إنهم دعوا بإبلهم فركبوها ، وكانوا قبل ذلك يمشون مع أبى بكر رضياللهعنهم أجمعين ، ثم قيدت معهم خيلهم ، فخرجوا بهيئة حسنة ، فلما أدبروا قال أبو بكر : اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، واحطط أوزارهم وأعظم أجورهم. ثم انصرف أبو بكر ومن معه من المسلمين.
وقد قيل : إن أبا بكر رحمهالله ، جعل خالدا ردءا بتيماء لما عزله عن الجند وأطاع عمر رحمهالله (١) ، فى بعض أمره وعصاه فى بعض ، وسيأتى ذكر ذلك فى موضعه إن شاء الله.
وعن محمد بن خليفة أن ملحان بن زياد الطائى ، أخا عدى بن حاتم لأمه أتى أبا بكر رحمهالله ، فى جماعة من قومه من طيئ نحو ستمائة ، فقال له : إنا أتيناك رغبة فى الجهاد وحرصا على الخير ، ونحن القوم الذين تعرف الذين قاتلنا معكم من ارتد منا حتى أقر بمعرفة ما كان ينكر ، وقاتلنا معكم من ارتد منكم حتى أسلموا طوعا وكرها ، فسرحنا فى أثر الناس ، واختر لنا وليا صالحا نكن معه.
__________________
(١) انظر خبر عزل خالد بن سعيد فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١١٦) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٣٨٧ ، ٣٨٨).