وكان قدومهم على أبى بكر بعد مسير الأمراء كلهم إلى الشام ، فقال أبو بكر : قد اخترت لك أفضل أمرائنا أميرا ، وأقدم المهاجرين هجرة ، الحق بأبى عبيدة بن الجراح ، فقد رضيت لك صحبته ، وحمدت لك أدبه ، فنعم الرفيق فى السفر ، ونعم الصاحب فى الحضر.
قال : فقلت لأبى بكر : فقد رضيت لخيرتك التي اخترت لى. فاتبعته حتى لحقته بالشام فشهدت معه مواطنه كلها ، لم أغب عن يوم منها.
وعن أبى سعيد المقبرى قال : قدم ابن ذى السهم الخثعمى على أبى بكر وجماعة من خثعم فوق تسعمائة ودون ألف ، فقال لأبى بكر : إنا تركنا الديار والأصول ، والعشائر والأموال ، وأقبلنا بنسائنا وأبنائنا ، ونحن نريد جهاد المشركين ، فما ذا ترى لنا فى أولادنا ونسائنا؟ أنخلفهم عندك ونمضى؟ فإذا جاء الله بالفتح بعثنا إليهم فأقدمناهم علينا؟ أم ترى لنا أن نخرجهم معنا ونتوكل على الله ربنا؟.
فقال أبو بكر : سبحان الله ، يا معشر المسلمين ، هل سمعتم أحدا ممن سار من المسلمين إلى أرض الروم وأرض الشام ذكر من الأولاد والنساء مثل ما ذكر أخو خثعم؟ أما إنى أقسم لك يا أخا خثعم ، لو سمعت هذا القول منك والناس مجتمعون عندى قبل أن يشخصوا لأحببت أن أحبس عيالاتهم عندى وأسرحهم ليس معهم من النساء والأبناء ما يشغلهم ويهمهم حتى يفتح الله عليهم ومعهم ذراريهم ، ولك بجماعة المسلمين أسوة ، وأنا أرجو أن يدفع الله بعزته عن حرمة الإسلام وأهله ، فسر فى حفظ الله وكنفه ، فإن بالشام أمراء قد وجهناهم إليها ، فأيهم أحببت أن تصحبه ، فسار حتى لقى يزيد بن أبى سفيان فصحبه.
وعن يحيى بن هانئ بن عروة أن أبا بكر كان أوصى أبا عبيدة بقيس بن مكشوح وقال له : إنه قد صحبك رجل عظيم الشرف ، فارس من فرسان العرب ، لا أظن له عظيم حسبة ولا كبير نية فى الجهاد ، وليس بالمسلمين غنى عن مشورته ورأيه وبأسه فى الحرب ، فأدنه والطفه وأره أنك غير مستغن عنه ولا مستهين بأمره ، فإنك تستخرج منه بذلك نصيحة لك ، وجهده وجده على عدوك ، ودعا أبو بكر قيسا فقال له : إنى قد بعثتك مع أبى عبيدة الأمين ، الذي إذا ظلم كظم ، وإذا أسىء إليه غفر ، وإذا قطع وصل ، رحيم بالمؤمنين ، شديد على الكافرين ، فلا تعصين له أمرا ، ولا تخالفن له رأيا ، فإنه لن يأمرك إلا بخير ، وقد أمرته أن يسمع منك ، فلا تأمره إلا بتقوى الله ، فقد كنا نسمع أنك