شريف بئيس مجرب ، وذلك فى زمان الشرك والجاهلية الجهلاء ، فاجعل بأسك وشدتك ونجدتك اليوم فى الإسلام على من كفر بالله وعبد غيره ، فقد جعل الله فيه الأجر العظيم ، والعز للمسلمين. فقال : إن بقيت فسيبلغك من حيطتى على المسلم ، وجهدى على الكافر ما يسرك ويرضيك ، فقال أبو بكر رحمهالله : فافعل ذلك ، فلما بلغته مبارزته البطريقين بالجابية وقتله إياهما ، قال : صدق قيس ووفى وبر.
وعن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص قال (١) : لما مضت جنود أبى بكر إلى الشام بلغ ذلك هرقل ملك الروم ، وهو بفلسطين ، وقيل له : قد أتتك العرب وجمعت لك جموعا عظيمة ، وهم يزعمون أن نبيهم الذي بعث إليهم أخبرهم أنهم يظهرون على أهل هذه البلاد ، وقد جاءوك وهم لا يشكون أن هذا يكون ، وجاءوك بأبنائهم ونسائهم تصديقا لمقالة نبيهم ، يقولون : لو دخلناها وافتتحناها نزلناها بأولادنا ونسائنا. فقال هرقل : ذلك أشد لشوكتهم ، إذا قاتل القوم على تصديق ويقين فما أشد على من كابدهم أن يزيلهم أو يصدهم.
قال : فجمع إليه أهل البلاد وأشراف الروم ، ومن كان على دينه من العرب ، فقال : يا أهل هذا الدين ، إن الله قد كان إليكم محسنا ، وكان لدينكم هذا معزا ، وله ناصرا على الأمم الخالية ، وعلى كسرى والمجوس ، وعلى الترك الذين لا يعلمون ، وعلى من سواهم من الأمم كلها ، وذلك أنكم كنتم تعملون بكتاب ربكم وسنة نبيكم الذي كان أمره رشدا وفعله هدى ، فلما بدلتم وغيرتم أطمع ذلك فيكم قوما ، والله ما كنا نعبأ بهم ولا نخاف أن نبتلى بهم ، وقد ساروا إليكم حفاة عراة جياعا ، اضطرهم إلى بلادكم قحط المطر وجدوبة الأرض وسوء الحال ، فسيروا إليهم ، فقاتلوهم عن دينكم وعن بلادكم وعن أبنائكم ونسائكم ، وأنا شاخص عنكم وممدكم بالخيول والرجال ، وقد أمرت عليكم أمراء ، فاسمعوا لهم وأطيعوا ، ثم خرج حتى أتى دمشق فقام مثل هذا المقام ، وقال فيها مثل هذا المقال ، ثم خرج حتى أتى حمص ، ففعل مثل ذلك ، ثم أتى أنطاكية ، فأقام بها وبعث إلى الروم ، فحشدهم إليه ، فجاءه منهم ما لا يحصى عدده ، ونفر إليه مقاتلتهم وشبابهم وأتباعهم ، وأعظموا دخول العرب عليهم ، وخافوا أن يسلبوا ملكهم.
وأقبل أبو عبيدة حتى مروا بوادى القرى (٢) ، ثم أخذ على الحجر أرض صالح النبيّ
__________________
(١) راجع : ما ذكره ابن الجوزى فى المنتظم فى هذا الخبر (٤ / ١١٧) ، والطبرى فى تاريخه ٣ / ٣٩٢).
(٢) وادى القرى : من أعمال المدينة. انظر : الروض المعطار (٦٠٢) ، المغانم المطابة (٤٢٣) ، رحلة الناصرى (٣١٠) ، صبح الأعشى (٤ / ٢٩٢).