صلىاللهعليهوسلم ، ثم على ذات المنار (١) ، ثم على زبرا (٢) ، ثم ساروا إلى مؤب (٣) بعمان ، فخرج إليهم الروم ، فلم يلبثهم المسلمون أن هزموهم حتى دخلوا مدينتهم ، فحاصروهم فيها ، وصالح أهل مؤب عليها ، فكانت أول مدائن الشام صالح أهلها ، ثم سار أبو عبيدة حتى إذا دنا من الجابية (٤) أتاه آت فخبره أن هرقل بأنطاكية ، وأنه قد جمع لكم من الجموع ما لم يجمعه أحد كان قبله من آبائه لأحد من الأمم قبلكم ، فكتب أبو عبيدة إلى أبى بكر رضياللهعنهما :
بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله أبى بكر ، خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من أبى عبيدة بن الجراح ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإنا نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله عزا مبينا ، وأن يفتح لهم فتحا يسيرا ، فإنه بلغنى أن هرقل ملك الروم ، نزل قرية من قرى الشام تدعى بأنطاكية ، وأنه بعث إلى أهل مملكته فحشدهم إليه ، وإنهم نفروا إليه على الصعب والذلول ، وقد رأيت أن أعلمك ذلك فترى فيه رأيك ، والسلام عليك ورحمة الله تعالى.
فكتب إليه أبو بكر : بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد ، فقد بلغنى كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه من أمر هرقل ملك الروم ، فأما منزله بأنطاكية فهزيمة له ولأصحابه ، وفتح من الله عليك وعلى المسلمين ، وأما حشده أهل مملكته وجمعه لكم الجموع ، فإن ذلك ما قد كنا وكنتم تعلمون أنه سيكون منهم ، ما كان قوم ليدعوا سلطانهم ولا ليخرجوا من مملكتهم بغير قتال ، ولقد علمت والحمد لله أن قد غزاهم رجال كثير من المسلمين يحبون الموت حب عدوهم الحياة ، يحتسبون من الله فى قتالهم الأجر العظيم ، ويحبون الجهاد فى سبيل الله أشد من حبهم أبكار نسائهم وعقائل أموالهم ، الرجل منهم عند الهيج خير من ألف رجل من المشركين ، فالقهم بجندك ، ولا تستوحش لمن غاب من المسلمين ، فإن الله تعالى ذكره معك ، وأنا مع ذلك ممدك بالرجال بعد الرجال حتى تكتفى ولا تريد أن تزداد ، والسلام عليك. وبعث بهذا الكتاب مع دارم العبسى.
__________________
(١) ذات المنار : موضع فى أول بادية الشام مما يلى الحجاز. انظر : الروض المعطار (٥١٧).
(٢) الزبرا : المكان المرتفع من الأرض ، ويقصد : أحد أماكن البلقاء فى الأردن.
(٣) مؤب : من قرى الشام من أرض البلقاء ، ذكرها ابن الحميرى فى الروض المعطار (٥١٧) ، وذكر قصة خروج أبى عبيدة.
(٤) الجابية : بالشام ، وقال البكرى : هى قنسرين ، وبين الجابية ومنبج أربعة فراسخ ، ومن حلب إليها ستة فراسخ. انظر : الروض المعطار (١٥٣).