وكتب يزيد بن أبى سفيان إلى أبى بكر رحمهالله : أما بعد ، فإن هرقل ملك الروم لما بلغه مسيرنا إليه ألقى الله الرعب فى قلبه ، فتحمل ونزل أنطاكية ، وخلف أمراء من جنده على جند الشام ، وأمرهم بقتالنا ، وقد تيسروا لنا واستعدوا ، وقد نبأنا مسالمة الشام أن هرقل استنفر أهل مملكته ، وأنهم جاءوا يجرون الشوك والشجر ، فمرنا بأمرك ، وعجل علينا فى ذلك برأيك ، نتبعه ، نسأل الله النصر والصبر والفتح وعافية المسلمين ، والسلام عليك.
وبعث بهذا الكتاب مع عبد الله بن قرط الثماليّ ، فقال له أبو بكر لما قدم عليه : أخبرنى خبر الناس ، قال : المسلمون بخير ، قد دخلوا أدنى أرض الشام ، ورعب أهلها منهم ، وذكر لنا أن الروم قد جمعت لنا جموعا عظاما ، ولم نلق عدونا بعد ، ونحن فى كل يوم نتوكف لقاء العدو أو نتوقعه ، وإن لم تأتنا جيوش من قبل هرقل ، فليست الشام بشيء. فقال له أبو بكر رحمهالله : صدقتنى الخبر ، فقال : وما لى لا أصدقك ، ويحل لى الكذب ، ويصلح لمثلى أن يكذب مثلك ، ولو كذبت فى هذا لم أخن إلا أمانتى وأخن ربى وأخن المسلمين. قال أبو بكر : معاذ الله ، لست من أولئك ، وكتب حينئذ معه بهذا الكتاب : أما بعد ، فقد بلغنى كتابك ، تذكر فيه تحول ملك الروم إلى أنطاكية (١) ، وإلقاء الله الرعب فى قلبه من جموع المسلمين ، فإن الله تبارك وتعالى ، وله الحمد قد نصرنا ونحن مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بالرعب ، وأيدنا بملائكته الكرام ، وإن ذلك الدين الذي نصرنا الله فيه بالرعب هو هذا الدين الذي ندعو الناس إليه اليوم ، فو ربك لا يجعل الله المسلمين كالمجرمين ، ولا من يشهد أنه لا إله غيره كمن يعبد معه آلهة أخرى ويدين بعبادة آلهة شتى ، فإذا لقيتهم فانبذ إليهم بمن معك وقاتلهم ، فإن الله لن يخذلك ، وقد نبأنا الله أن الفئة القليلة منا تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله ، وأنا مع ما هنالك ممدكم بالرجال فى أثر الرجال حتى تكتفوا ولا تحتاجوا إلى زيادة إنسان إن شاء الله ، والسلام.
ولما رد أبو بكر رضياللهعنه ، عبد الله بن قرط (٢) بهذا الكتاب إلى يزيد ، قال له :
__________________
(١) أنطاكية : بتخفيف الياء ، مدينة عظيمة على ساحل البحر ، قالوا : وكل شيء عند العرب من قبل الشام فهو أنطاكية ، ويقال : ليس فى أرض الإسلام ولا أرض الروم مثلها. انظر : الروض المعطار (٣٨ ـ ٣٩) ، نزهة المشتاق (١٩٥) ، صبح الأعشى (٤ / ١٢٩).
(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٦٥٢) ، الإصابة الترجمة رقم (٤٩٠٨) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣١٢٦) ، الجرح والتعديل (٥ / ١٠٤) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٣٢٩) ، تهذيب الكمال (٢ / ٧٢٤) ، التاريخ الكبير (٥ / ٣٤) ، تهذيب التهذيب (٥ / ٣٦١).