فيه قدوة. قلت : مات ، ولم يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم وودت أنه كان أسلم وصدق به ، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هدانى الله للإسلام. قال : فمتى تبعته؟ قلت : قريبا ، فسألنى أين كان إسلامى؟ قلت : عند النجاشى ، وأخبرته أن النجاشى قد أسلم ، قال : فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت : أقروه واتبعوه ، قال : والأساقفة والرهبان تبعوه ، قلت : نعم. قال : انظر يا عمرو ما تقول ، إنه ليس من خصلة فى رجل واحد أفضح له من كذب. قلت : ما كذبت ، وما نستحله فى ديننا. ثم قال : ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشى.
قلت : بلى. قال : بأى شيء علمت ذلك؟ قلت : كان النجاشى يخرج له خرجا ، فلما أسلم وصدق بمحمد صلىاللهعليهوسلم قال : لا ، والله لو سألنى درهما واحدا ما أعطيته ، فبلغ هرقل قوله ، فقال له نياق أخوه : أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا ، ويدين دينا محدثا؟ قال هرقل : رجل رغب فى دين واختاره لنفسه ، ما أصنع به ، والله لو لا الضن لملكى لصنعت كما صنعوا. قال : انظر ما تقول يا عمر ، قلت : والله صدقتك. قال عبد : فأخبرنى ما الذي يأمر به وينهى عنه. قلت : يأمر بطاعة الله عزوجل وينهى عن معصيته ، ويأمر بالبر وصلة الرحم ، وينهى عن الظلم والعدوان ، وعن الزنا وشرب الخمر ، وينهى عن عبادة الحجر والوثن والصليب. فقال : ما أحسن هذا الذي يدعو إليه ، لو كان أخى يتابعنى لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ، ولكن أخى أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا. قلت : إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قومه ، فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم. فقال : إن هذا لخلق حسن ، وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الصدقات فى الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. فقال : يا عمرو ، تؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه. فقلت : نعم.
فقال : والله ، ما أرى قومى فى بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا. قال : فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبرى ، ثم إنه دعانى يوما فدخلت عليه ، فأخذ أعوانه بضبعى ، فقال : دعوه ، فأرسلت ، فذهبت لأجلس ، فأبوا أن يدعونى أجلس ، فنظرت إليه ، فقال : تكلم بحاجتك ، فدفعت إليه الكتاب مختوما ، ففض خاتمه ، فقرأه حتى انتهى إلى آخره. ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته ، إلا أنى رأيت أخاه أرق منه ، ثم قال : ألا تخبرنى عن قريش ، كيف صنعت؟ فقلت : تبعوه ، إما راغب فى الدين ، وإما مقهور بالسيف. قال : ومن معه؟ قلت : الناس ، قد رغبوا فى الإسلام ، واختاروه على غيره ، وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا فى ضلال ، فما أعلم أحدا بقى غيرك فى هذه الحرجة ، وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ، ويبيد خضراءك ،