تجدون فى عداوتنا قبل اليوم مقالا فلستم اليوم بأشد على من ترك هذا الدين ، ولا أعدى منا. فقال لهم عمر رضى الله عن جميعهم ، والله ما قلت الذي بلغكم إلا نصيحة لمن سبقكم بالإسلام ، وتحريا للعدل فيما بينكم وبين من هو أفضل منكم.
قال سهيل : فإن كنتم إنما فضلتمونا بالجهاد فى سبيل الله ، فو الله لنستكثرن منه ، أشهدكم أنى حبيس فى سبيل الله.
وقال الحارث بن هشام : وأنا أشهدكم أنى حبيس فى سبيل الله ، والله لأنفقن مكان كل نفقة أنفقتها على حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، نفقتين فى سبيل الله ، ولأنفقن مكان كل موقف وقفته على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، موقفين على أعداء الله. وقال عكرمة : وأنا أشهدكم أنى حبيس فى سبيل الله.
فقال أبو بكر رضياللهعنه : اللهم أبلغ بهم أفضل ما يأملون ، واجزهم بأحسن ما يعملون ، فقد أصبتم فيما صنعتم ، فأرشدكم الله. فلما خرجوا من عنده أقبل سهيل على أصحابه ، وكان شريفا عاقلا ، فقال لهم : لا تجزعوا مما ترون ، فإنهم دعوا ودعينا ، فأجابوا وأبطأنا ، ولو ترون فضائل من سبقكم إلى الإسلام عند الله عليكم ما نفعكم عيش ، وما من أعمال الله عمل أفضل من الجهاد فى سبيل الله ، فانطلقوا حتى تكونوا بين المسلمين وبين عدوهم ، فتجاهدوهم دونهم حتى تموتوا ، فلعلنا أن نبلغ فضل المجاهدين ، فخرجوا حينئذ إلى جهاد الروم. قال : فبلغنى أنهم ماتوا مقترنين بين المسلمين وبين الروم ، رضياللهعنهم.
ثم دعا أبو بكر ، عمرو بن العاص ، فقال : يا عمرو ، هؤلاء أشراف قومك يخرجون مجاهدين ، فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك ، فقال : يا خليفة رسول الله ، ألست أنا الوالى على الناس؟ قال : نعم ، أنت الوالى على من أبعثه معك من هاهنا ، قال : لا ، بل وال على من أقدم عليه من المسلمين ، قال : لا ، ولكنك أحد الأمراء ، فإن جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم ، فسكت عنه ، ثم خرج فعسكر ، واجتمع إليه ناس كثير ، وكان معه أشراف قريش أولئك ، فلما حضر خروجه جاء إلى عمر ، فقال : يا أبا حفص ، إنك قد عرفت بصرى بالحرب ، وتيمن نقيبتى فى الغزو ، وقد رأيت منزلتى عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد علمت أن أبا بكر ليس يعصيك ، فأشر عليه أن يولينى أمر هذه الجنود التي بالشام ، فإنى أرجو أن يفتح الله على يدى هذه البلاد ، وأن يريكم والمسلمين من ذلك ما تسرون به.