إليهم : أن أهل مدينة من مدائنكم أكثر ممن قدم عليكم من عدوكم ، فانهضوا إليهم فقاتلوهم ، فإن مددى من ورائكم ، فهذا ما بلغنا عنهم ، وأنفس المسلمين طيبة بقتالهم ، وقد خبرنا أنهم تيسروا لقتالنا ، فأنزل الله على المسلمين نصره ، وعلى عدوهم رجزه ، إنه بما يعملون عليم ، والسلام.
قال : فجمع أبو بكر رحمهالله ، أشراف قريش من المهاجرين وغيرهم من أهل مكة ، ثم دعا بأشراف الأنصار وذوى السابقة منهم ، فقال عمر : لأى شيء دعوت بهؤلاء؟ فقال : لأستشيرهم فى هذا الأمر الذي كتب إلينا فيه أبو عبيدة. قال له : أما المهاجرين والأنصار فأهل الاستنصاح والمشورة ، وأما رجال أهل مكة الذين كنا نقاتلهم لتكون كلمة الله هى العليا ويقاتلوننا ليطفئوا نور الله بأفواههم جاهدين على قتالنا ، إن قلنا ليس مع الله آلهة ، قالوا : مع الله آلهة أخرى ، فلما أعز الله دعوتنا وصدق أحدوثتنا ونصرنا عليهم أردنا أن نقدمهم فى الأمور ونستشيرهم فيها ونستنصحهم وندنيهم دون من هو خير منهم ، ما أنصفنا إذا نصحاؤنا الذين كانوا يقاتلونهم فى الله حين نقدمهم دونهم ، ولا نراهم وضعهم عندنا إذا جهادهم إيانا وجهدهم علينا ، لا والله لا نفعل ذلك أبدا.
فقال أبو بكر رضياللهعنه : قد كنت أردت إدناءهم وإنزالهم منا بالمنازل التي كانوا بها فى قومهم من الشرف ، فأما الآن حيث ذكرت ما ذكرت ، فو الله ما أرى الرأى فى هذا إلا رأيك ، فبلغ ذلك أشراف قريش أولئك ، فشق عليهم.
وقال الحارث بن هشام : إن عمر كان فى شدته علينا قبل أن هدانا الله للإسلام مصيبا ، فأما الآن حيث هدانا الله فلا نراه فى شدته علينا إلا قاطعا.
ثم خرج هو وسهيل بن عمرو (١) مع عكرمة بن أبى جهل فى رجال من أشراف قريش حتى أتوا أبا بكر رحمهالله ، وعنده عمر ، فقال الحارث : يا عمر ، إنك قد كنت فى شدتك علينا قبل الإسلام مصيبا ، فأما الآن وقد هدانا الله لدينه فما نراك إلا قاطعا ، ثم جثا سهيل بن عمرو على ركبتيه وقال : إياك يا عمر نخاطب ، وعليك نعتب ، فأما خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبرئ عندنا من الضغن والحقد والقطيعة ، ألسنا إخوانكم فى الإسلام ، وبنى أبيكم فى النسب ، أفإنكم إن كان الله قدم لكم فى هذا الأمر قدما صالحا لم نؤت مثله قاطعون قرابتنا ومستهينون بحقنا ، ثم قال لهم عكرمة : أما إنكم وإن كنتم
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١١٠) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٥٨٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٣٢٤).