لخرجنا إليهم بعد ما جاءنا مدد أهل بعلبك وأهل بصرى بيوم ، فلخرجنا وإنا لأكثر من خالد وأصحابه بعشرة أضعافهم وأكثر ، فما هو إلا أن دنونا منهم ، فثاروا فى وجوهنا بالسيوف كأنهم الأسد ، فانهزمنا أقبح الهزيمة ، وقتلونا شر المقتلة ، فما عدنا نخرج إليهم حتى صالحناهم ، ولقد رأيت رجلا منا كنا نعده بألف رجل ، قال : لئن رأيت أميرهم لأقتلنه ، فلما رأى خالدا قيل له : هذا خالد أمير القوم ، فحمل عليه ، وإنا لنرجو لبأسه أن يقتله ، فما هو إلا أن دنا منه ، فضرب خالد فرسه ، فقدمه عليه ، ثم استعرض وجهه بالسيف فأطار قحف رأسه ، ودخلنا مدينتنا ، فما كان لنا هم إلا الصلح حتى صالحناهم.
وعن قيس بن أبى حازم قال : كنت مع خالد حين مر بالشام ، فأقبل حتى نزل بقناة بصرى من أرض حوران ، وهى مدينتها ، فلما نزلنا واطمأننا خرج إلينا الدرنجار (١) فى خمسة آلاف فارس من الروم ، فأقبل إلينا وما يظن هو وأصحابه إلا أنا فى أكفهم ، فخرج خالد فصفنا ، ثم جعل على ميمنتنا رافع بن عميرة الطائى ، وعلى ميسرتنا ضرار بن الأزور ، وعلى الرجال عبد الرحمن بن حنبل الجمحى ، وقسم خيله ، فجعل على شطرها المسيب بن نجية ، وعلى الشطر الآخر رجلا كان معه من بكر بن وائل ، ولم يسمه ، وأمرهما خالد حين قسم الخيل بينهما أن يرتفعا من فوق القوم عن يمين وشمال ، ثم ينصبا على القوم ، ففعلا ذلك ، وأمرنا خالد أن نزحف إلى القلب ، فزحفنا إليهم ، والله ما نحن إلا ثمانمائة وخمسون رجلا ، وأربعمائة رجل من مشجعة من قضاعة ، استقبلنا بهم يعبوب رجل منهم ، فكنا ألفا ومائتين ونيفا.
قال : وكنا نظن أن الكثير من المشركين والقليل عند خالد سواء ، لأنه كان لا يملأ صدره منهم شيء ، ولا يبالى بمن لقى منهم لجرأته عليهم ، فلما دنوا منا شدوا علينا شدتين ، فلم نبرح ، ثم إن خالدا نادى بصوت له جهورى شديد عال ، فقال : يا أهل الإسلام ، الشدة ، الشدة ، احملوا رحمكم الله ، عليهم ، فإنكم إن قاتلتموهم محتسبين بذلك وجه الله فليس لهم أن يواقفوكم ساعة ، ثم إن خالدا شد عليهم ، فشددنا معه ، فو الله الذي لا إله إلا هو ما ثبتوا لنا فواقا حتى انهزموا ، فقتلنا منهم فى المعركة مقتلة عظيمة ، ثم اتبعناهم نكردهم (٢) ونصيب الطرف منهم ، ونقطعهم عن أصحابهم ، ثم نقتلهم ، فلم نزل كذلك حتى انتهينا إلى مدينة بصرى ، فأخرج لنا أهلها الأسواق ، واستقبلوا المسلمين
__________________
(١) الدرنجار : أى قائد الروم البيزنطيين.
(٢) نكردهم : أى نطردهم.