الشام ثمانمائة وخمسين رجلا كلهم ذو نية وبصيرة ، لأنه كان يقحمهم أمورا يعلمون أنه لا يقوى على ذلك إلا كل قوى جلد ، فأقبل بنا حتى مر بأركة ، فأغار عليها ، وأخذ الأموال ، وتحصن منه أهلها ، فلم يبارحهم حتى صالحهم.
قال : ومر بتدمر (١) ، فتحصنوا منه ، فأحاط بهم من كل جانب ، وأخذهم من كل مأخذ ، فلم يقدر عليهم ، فلما لم يطقهم ترحل عنهم ، وقال لهم حين أراد أن يرتحل ، فيما روى عن عبد الله بن قرط : والله لو كنتم فى السحاب لاستنزلناكم وظهرنا عليكم ، ما جئناكم إلا ونحن نعلم أنكم ستفتحون علينا ، وإن أنتم لم تصالحوا هذه المرة لأرجعن إليكم لو قد انصرفت من وجهى هذا ثم لا أرحل عنكم حتى أقتل مقاتلتكم وأسبى ذراريكم.
فلما فصل قال علماؤهم ، واجتمعوا : إنا لا نرى هؤلاء القوم إلا الذين كنا نتحدث أنهم يظهرون علينا ، فافتحوا لهم ، فبعثوا إلى خالد فجاء ، ففتحوا له وصالحوه.
وعن سراقة بن عبد الأعلى بن سراقة : أن خالدا فى طريقه ذلك مر على حوران فهابوه ، فتحرز أكثرهم منه ، وأغار عليهم ، فاستاق الأموال وقتل الرجال وأقام عليهم أياما ، فبعثوا إلى ما حولهم ليمدوهم ، فأمدوهم من مكانين : من بعلبك ، وهى أرض دمشق ، ومن قبل بصرى ، وبصرى مدينة حوران ، وهى من أرض دمشق أيضا.
فلما رأى المددين قد أقبلا خرج فصف بالمسلمين ، ثم تجرد فى مائتى فارس ، فحمل على مدد بعلبك (٢) وهم أكثر من ألفين فما وقفوا حتى انهزموا ، فدخلوا المدينة ، ثم انصرف يوجف فى أصحابه وجيفا ، حتى إذا كان بحذاء بصرى ، وإنهم لأكثر من ألفين ، حمل عليهم فما ثبتوا له فواقا حتى هزمهم ، فدخلوا المدينة ، وخرج أهل المدينة فرموا المسلمين بالنشاب ، فانصرف عنهم خالد وأصحابه ، حتى إذا كان من الغد خرجوا إليه ليقاتلوه ، فعجزوا وأظهر الله عليهم المسلمين ، فصالحوهم.
وقال عمرو بن محصن : حدثني علج من أهل حوران (٣) كان يشجع ، قال : والله
__________________
(١) تدمر : من مدن الشام بالبرية ، أولية يقال إن الجن بنتها لسليمان عليهالسلام. ومن حلب إليها خمسة أيام وكذلك من دمشق إليها ، وكذا من الرقة إليها ، وكذا من الرحبة إليها. انظر : الروض المعطار (١٣١) ، معجم ما استعجم (١ / ٣٠٧).
(٢) بعلبك : مدينة بالشام بينها وبين دمشق فى جهة الشرق مرحلتان ، وهى حصينة فى سفح جبل وعليها سور حصين بالحجارة. انظر : الروض المعطار (١٠٩) ، نزهة المشتاق (١١٦).
(٣) حوران : جبل بالشام ، وحوران أيضا من أعمال دمشق ، ومدينتها بصرى ، تسير فى صحراء حوران عشرة فراسخ حتى تصل إلى مدينة بصرى. انظر : الروض المعطار (٢٠٦).