وكان خالد مبارك الولاية ، ميمون النقيبة ، مجربا ، بصيرا ، بالحرب ، مظفرا. فلما أراد الشخوص من أرض دمشق إلى الروم الذين اجتمعوا بأجنادين ، كتب نسخة واحدة إلى الأمراء :
أما بعد ، فإنه نزل بأجنادين جمع من جموع الروم ، غير ذى قوة ولا عدة ، والله قاصمهم وقاطع دابرهم ، وجاعل دائرة السوء عليهم ، وقد شخصت إليهم يوم سرحت رسولى إليكم ، فإذا قدم عليكم فانهضوا إلى عدوكم بأحسن عدتكم وأصح نيتكم ، ضاعف الله أجوركم وحط أوزاركم ، والسلام.
ووجه بهذه النسخ مع أنباط كانوا مع المسلمين عيونا لهم ، وفيوجا (١) وكان المسلمون يرضخون لهم ، ودعا خالد الرسول الذي بعثه منهم إلى شرحبيل ، فقال له : كيف علمك بالطريق؟ قال : أنا أدل الناس بالطريق ، قال : فادفع إليه هذا الكتاب ، وحذره الجيش الذي ذكر لنا أنه يريده ، وخذ به وبأصحابه طريقا تعدل به عن طريق العدو الذي شخص إليه وتأتى به حتى تقدمه علينا بأجنادين. قال : نعم ، فخرج الرسول إلى شرحبيل ، ورسول آخر إلى عمرو بن العاص ، وآخر إلى يزيد بن أبى سفيان.
وخرج خالد وأبو عبيدة بالناس إلى أهل أجنادين ، والمسلمون سراع إليهم ، جراء عليهم ، فلما شخصوا لم يرعهم إلا أهل دمشق فى آثارهم ، فلحقوا أبا عبيدة وهو فى أخريات الناس فلما رآهم قد لحقوا به نزل ، وأحاطوا به ، وهو فى نحو من مائتى رجل من أصحابه ، وأهل دمشق فى عدد كثير ، فقاتلهم أبو عبيدة قتالا شديدا ، وأتى الخبر خالدا وهو أمام الناس فى الفرسان والخيل ، فعطف راجعا ، ورجع الناس معه ، وتعجل خالد فى الخيل وأهل القوة ، وانتهوا إلى أبى عبيدة وأصحابه وهم يقاتلون الروم قتالا حسنا ، فحمل الخيل على الروم فدق بعضهم على بعض ، وقتلهم ثلاثة أميال حتى دخلوا دمشق ، ثم انصرف ، ومضى بالناس نحو الجابية ، وأخذ يلتفت وينتظر قدوم أصحابه عليه.
ومضى رسول خالد إلى شرحبيل ، فوافاه وليس بينه وبين الجيش الذي سار إليه من حمص (٢) مع وردان إلا مسيرة يوم ، وهو لا يشعر ، فدفع إليه الرسول الكتاب ، وأخبره الخبر ، واستحثه بالشخوص ، فقام شرحبيل ، فى الناس ، فقال : أيها الناس ، اشخصوا إلى
__________________
(١) فيوج : جمع فج ، وهو الحارث أو العداء سريع الجرى.
(٢) حمص : مدينة بالشام ، ولا يجوز فيها الصرف كما لا يجوز فى هند لأنه اسم أعجمى ، سميت برجل من العماليق يسمى حمص ، ويقال : رجل من عاملة ، هو أو من نزلها. انظر : الروض المعطار (١٩٨).