رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقالت : فى ثلاثة أثواب بيض سحولية. فقال أبو بكر : خذوا هذا الثوب ، لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران فاغسلوه ، ثم كفنونى فيه مع ثوبين آخرين. فقالت عائشة : وما هذا؟ فقال أبو بكر : الحى أحوج إلى الجديد من الميت ، وإنما هذا للمهلة.
ولما توفى أبو بكر رحمهالله ، ارتجت المدينة بالبكاء ، ودهش القوم كيوم قبض النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأقبل على بن أبى طالب رضياللهعنه ، مسرعا باكيا مسترجعا ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر ، وقد سجى بثوب ، فقال : رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله عزوجل ، وأعظمهم غناء ، وأحدبهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، وأوثقهم عند الله ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله والمسلمين خيرا ، صدقت رسول الله حين كذبه الناس ، فسماك الله فى كتابه صديقا.
فقال : والذي جاء بالصدق محمد ، وصدق به أبو بكر ، وآسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين عنه قعدوا ، وصحبته فى الشدة أكرم الصحبة ، ثانى اثنين ، وصاحبه فى الغار ، والمنزل عليه السكينة ، ورفيقه فى الهجرة ومواطن الكريهة ، ثم خلفته فى أمته أحسن الخلافة حين ارتد الناس ، وقمت بدين الله قياما لم يقم به خليفة نبى قط ، قويت حين ضعف أصحابك ، وبدرت حين استكانوا ، ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسوله إذ هم أصحابه ، كنت خليفته حقا ، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وصغر الفاسقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين ، فقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ، فاتبعوك ، فهدوا ، وكنت أخفضهم صوتا ، وأعلاهم فوقا ، وأقلهم كلاما ، وأصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم قولا ، وكنت أكبرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالأمور ، كنت والله للدين يعسوبا أولا حين تفرق عنه الناس ، وآخرا حين أقبلوا ، كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما ضيعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمرت إذ خنعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا ، فأدركت أوتار ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا ، كنت على الكافرين عذابا صبا ، وكنت للمسلمين غيثا وخصبا ، فطرت والله بغنائها ، وفزت بحبابها ، وذهبت بفضائلها ، وأحرزت سوابقها ، لم تفلل حجتك ، ولم