وزعم أن حصار المسلمين لها كان ستة أشهر ، وأن وقعة اليرموك كانت فى سنة خمس عشرة ، وبعدها فى تلك السنة بعينها جلا هرقل عن أنطاكية إلى قسطنطينية ، وأنه لم يكن بعد اليرموك وقعة. وسنورد إن شاء الله مما أوردوه على اختلافه ما نبلغ به المقصود من الإمتاع وتذكير الناس بأيام الله.
فأما خبر دمشق من رواية سيف فذكر أنه : لما هزم الله جند اليرموك ، وتهافت أهل الواقوصة ، وفرغ من المقاسم والأنفال ، وبعث بالأخماس ، وسرحت الوفود ، استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب بن أبى الحميرى كيلا تغتال بردة ولا تقطع الروم مواده ، وخرج أبو عبيدة حتى نزل بالصفرين وهو يريد اتباع الفل ، ولا يدرى أيجتمعون أو يفترقون ، فأتاه الخبر بأنهم أرزوا إلى فحل ، وبأن المدد قد أتى على دمشق من حمص ، فهو لا يدرى أبدمشق يبدأ أم بفحل من بلاد الأردن ، فكتب فى ذلك إلى عمر ، وأقام بالصفرين ينتظر جوابه ، وكان عمر لما جاءه فتح اليرموك أقر الأمراء على ما كان استعملهم عليه أبو بكر ، إلا ما كان من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ، فإنه ضم خالد إلى أبى عبيدة ، وأمر عمرا بمعونة الناس حتى تصير الحرب إلى فلسطين ، ثم يتولى حربها (١).
فلما جاء عمر كتاب أبى عبيدة ، كتب إليه : أما بعد ، فابدءوا بدمشق ، وانهدوا لها ، فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم ، واشغلوا عنهم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم فى نحورهم ونحور أهل فلسطين وأهل حمص ، فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب ، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل دمشق من تمسك بها ، ودعوها ، وانطلق أنت وسائر الأمراء حتى تغيروا على فحل ، فإن فتح الله عليكم فانصرف أنت وخالد إلى حمص ، ودع شرحبيل وعمرا وأخلهما بالأردن وفلسطين ، وأمير كل بلد وجند على الناس حتى يخرجوا من إمارته (٢).
فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة فيهم أبو الأعور وعمارة بن مخش ، وهو قائد الناس ، وكانت الرؤساء تكون من الصحابة ، فساروا من الصفرين حتى نزلوا قريبا من فحل ، فلما رأت الروم أن الجنود تريدهم بثقوا المياه حول فحل ، فأردغت (٣) الأرض ، ثم وحلت ، واغتنم المسلمون ذلك ، فحبسوا عن المسلمين ثمانين ألف فارس. وبعث أبو
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٤٣٦).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨).
(٣) أردغت : الرداغ : الوحل الشديد.