قالوا (١) : إن أبا عبيدة لما ظهر على دمشق أمر عمرو بن العاص بالمسير إلى أرض الأردن وفلسطين ، فيكون فيما بينهما ، ولا يقدم على المدينتين وجمع الروم بهما ، ولكن ينزل أطراف الرساتيق ، ويغير بالخيل عليهم من كل جانب ، ويصالح من صالحه.
فخرج عمرو حتى واقع أرض الأردن ، فلما بلغ أهل الأردن وفلسطين فتح دمشق وتوجه الجيش إليهم هالهم ذلك ورعبهم ، وأشفقوا على مدائنهم أن تفتح ، فاجتمع من كان بها من الروم ونزلوا من حصونهم ، ووافاهم أهل البلد ، وكثير من نصارى العرب ، فكثر جمعهم ، وكتبوا إلى قيصر يستمدونه وهو بأنطاكية ، فبعث إلى أولئك الذين كان وجههم مددا لأهل دمشق فأقاموا ببعلبك لما بلغهم خبر فتحها أن يسيروا إليهم.
وكتب عمرو إلى أبى عبيدة : أما بعد ، فإن الروم قد أعظمت فتح دمشق ، فاجتمعوا من نواحى الأردن وفلسطين ، فعسكروا وقد تعاقدوا وتواثقوا وتحالفوا بالله : لا يرجعون إلى النساء والأولاد أو يخرجون العرب من بلادهم ، والله مكذب أملهم ، ومبطل قولهم ، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. فاكتب إلىّ برأيك فى هذا الحديث ، أرشد الله رأيك وسددك وأدام رشدك ، والسلام.
وقدم بهذا الكتاب رسول عمرو ، وقد استشار أبو عبيدة أصحابه فى المسير بهم إلى حمص ، وقال : إن الله تعالى ، قد فتح هذه المدينة ، يعنى دمشق ، وهى من أعظم مدائن الشام ، وقد رأيت أن أسير إلى حمص ، لعل الله يفتحها علينا ، وهذا عمرو بن العاص من ورائنا ، فلسنا نتخوف أن نؤتى من هناك.
فقال له خالد بن الوليد ، ويزيد بن أبى سفيان ، ومعاذ بن جبل ورءوس المسلمين : فإنك قد أصبت ووفقت ، فسر بنا إليهم.
فإنهم لكذلك فى هذا الرأى إذ قدم عليهم كتاب عمرو الذي تقدم ، فلما قرأه أبو عبيدة ألقاه إلى خالد ، وقال : قد حدث أمر غير ما كنا فيه ، ثم قرءوا الكتاب على من حضرهم ، فقال يزيد : امدد عمرا ومره بمواقعة القوم وأقم أنت بمكانك. فقال أبو عبيدة : ما ذا ترى أنت يا خالد؟ قال : أرى أن تنظر ما يصنع هذا الجيش الذي ببعلبك ، فإن هم ساروا منها إلى إخوانهم سرت إلى إخوانك فلقيتهم بجماعة المسلمين ، وإن هم أقاموا أمددت عمرا ، وبعثت إلى هؤلاء من يقاتلهم ، وأقمت أنت بمكانك. فقال له : نعم ما رأيت ، فسير أبو عبيدة شرحبيل بن حسنة إلى عمرو ، وقال له : لا تخالفه. فخرج
__________________
(١) انظر : فتوح الشام للأزدى (ص ١٠٦).