فكتب إليه أبو عبيدة : أما بعد ، فقد قدم علينا عبد الله بن عمرو بكتابك تذكر فيه إرجاف المرجفين واستعدادهم لك ، وجرأتهم عليك للذى بلغهم من انصرافنا عن الروم وما خلينا لهم من الأرض ، وأن ذلك والحمد لله لم يكن من المسلمين عن ضعف من بصائرهم ، ولا وهن عن عدوهم ، ولكنه كان رأيا من جماعتهم كادوا به عدوهم ليخرجوهم من مدائنهم وحصونهم وقلاعهم وليجتمع بعض المسلمين إلى بعض وينتظروا قدوم أمدادهم ، ثم يناهضونهم إن شاء الله ، وقد اجتمعت خيلهم وتتامت فرسانهم ، فعند ذلك فارتقب نصر الله أولياءه ، وإنجاز موعوده ، وإعزاز دينه ، وإذلاله المشركين حتى لا يمنع أحد منهم أمه ولا حليلته ولا نفسه ، حتى يتوقلوا فى شعف الجبال ، ويعجزوا عن منع الحصون ويجنحوا للسلم ، ويلتمسوا الصلح ، (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢].
ثم أعلم من قبلك من المسلمين أنى قادم عليهم بجماعة أهل الإسلام إن شاء الله ، فليحسنوا بالله الظن ولا يجدن عدوكم فيكم ضعفا ولا وهنا ، ولا تؤبسوا منكم رعبا فيطمعوا فيكم ويجترئوا عليكم ، أعزنا الله وإياكم بنصره ، وعمنا بعافيته وعفوه ، والسلام عليك.
وقال لعبد الله بن عمرو : اقرأ على أبيك السلام ، وأخبره أنى فى أثرك ، وأعلم بذلك المسلمين وكن يا عبد الله بن عمرو ممن يشد الله به ظهور المسلمين ويستأنسون به ، فإنك رجل من الصحابة ، وقد جعل الله للصحابة فضلا على غيرهم من المسلمين ، بصحبتهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا تتكل على أبيك ، وكن أنت فى جانب تحرض المسلمين وتمنيهم النصر ، وتأمرهم بالصبر ، ويكون أبوك يفعل ذلك فى جانب آخر.
فقال : إنى أرجو أن يبلغك عنى إن شاء الله من ذلك ما تسر به ، ثم خرج حتى قدم على أبيه بكتاب أبى عبيدة ، فقرأه أبوه على الناس ، ثم قال : أما بعد ، فقد برئت ذمة الله من رجل من أهل عهدنا من أهل الأردن ثقف رجلا (١) من أهل إيلياء (٢) فلم يأتنا به ، ألا ولا يبقين رجل من أهل عهدنا إلا تهيأ واستعد ليسير معى إلى أهل إيلياء ، فإنى أريد السير إليهم والنزول بساحتهم ، ثم لا أزايلهم حتى أقتل مقالتهم وأسبى ذراريهم ، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
__________________
(١) ثقف رجل : أى صفر به.
(٢) إيلياء : ويقال أيليا بفتح الهمزة ، مدينة بالشام وهى بيت المقدس ، وهى مدينة قديمة جليلة على جبل يصعد إليها من كل جانب. انظر : الروض المعطار (٦٨) ، نزهة المشتاق (٢١٦).