أسلمت وجاهدت معكم؟ فقالوا له : نعم ، إن أنت أسلمت واستقمت ولم تغير حتى تموت وأنت على ذلك فإنك من أهل الجنة ، قال : فإنى أشهدكم أنى من المسلمين ، فأسلم وفرح المسلمون بإسلامه ، وصافحوه ودعوا له بخير ، وقالوا له : إنا إن أرسلنا رسولنا إلى صاحبكم وأنت عندنا ظنوا أنا حبسناك عنهم ، فنتخوف أن يحبسوا صاحبنا ، فإن شئت أن تأتيهم الليلة وتكتم إسلامك حتى نبعث إليهم رسولنا غدا وننظر علام ينصرم الأمر بيننا وبينهم ، فإذا رجع رسولنا إلينا أتيتنا عند ذلك ، فما أعزك علينا وأرغبنا فيك وأكرمك علينا ، وما أنت الآن عند كل امرئ منا إلا بمنزلة أخيه لأبيه وأمه. قال : فإنكم نعم ما رأيتم ، فخرج فبات فى أصحابه ، وقال لباهان : غدا يجيئكم رسول القوم الذي سألتم ، وانصرف إلى المسلمين لما رجع إليهم خالد ، فأسلم وحسن إسلامه.
ولما أصبح المسلمون من تلك الليلة بعث خالد بن الوليد بقية له حمراء من أدم كان اشتراها بثلاثمائة دينار ، فضربت له فى عسكر الروم ، ثم خرج حتى أتاها ، فأقام فيها ساعة ، وكان خالد رجلا طويلا جميلا جليدا مهيبا لا ينظر إليه رجل إلا ملأ صدره وعرف أنه من جلداء الرجال وشجعانهم ، وأشدائهم ، وبعث باهان إلى خالد وهو فى قبته : أن القنى ، وصف له فى طريقه عشرة صفوف عن يمينه ، وعشرة صفوف عن شماله ، مقنعين فى الحديد ، عليهم الدروع والبيض والسواعد والجواشن والسيوف ، لا يرى منهم إلا الحدق ، وصف من وراء تلك الصفوف خيلا عظيمة ، وإنما أراد أن يريه عدد الروم وعدتهم ليرعبه بذلك ، وليكون أسرع له إلى ما يريد أن يعرض عليه ، فأقبل خالد غير مكترث لما رأى من هيئاتهم وجماعتهم ، ولكانوا أهون عليه من الكلاب ، فلما دنا من باهان رحب به ، ثم قال بلسانه : هاهنا عندى ، اجلس معى فإنك من ذوى أحساب العرب فيما ذكر لى ، ومن شجعانهم ، ونحن نحب الشجاع ذا الحسب ، وقد ذكر لى أن لك عقلا ووفاء ، والعاقل ينفعك كلامه ، والوفى يصدق قوله ويوثق بعهده ، وأجلس فيما بينه وبين خالد ترجمانا له يفسر لخالد ما يقول ، وخالد جالس إلى جنبه.
قال الحارث بن عبد الله الأزدى : قال لى خالد يوم غدا إلى عسكر الروم : اخرج معى ، وكنت صديقا له قل ما أفارقه وكان يستشيرنى فى الأمر إذا نزل به ، فكنت أشير عليه بمبلغ رأيى ، فكان يقول لى : إنك ما علمت لميمون الرأى ولقل ما أشرت علىّ بمشورة إلا وجدت عاقبتها تؤدى إلى سلامة ، فخرجت يومئذ معه ، حتى إذا دخلنا عسكرهم وضربت قبته وبعث إليه باهان ليلقاه قال لى : انطلق معى ، فقلت له : إن القوم إنما أرادوك ولا أراهم يدعوننى أدنو إليهم معك ، فقال لى : امضه ، فمضيت معه ، فلما