الله فعل ، قال باهان : فإنى أريد أن ألقى الحشمة فيما بينى وبينك وأكلمك كلام الأخ أخاه ، إن قبتك هذه الحمراء قد أعجبتنى فأنا أحب أن تهبها لى ، فإنى لم أر قبة من القباب أحسن منها ، فخذ ما بدا لك فيها وسلنى ما أحببت فهو فى يدك ، فقال له خالد : خذها فهى لك ، ولست أريد من متاعك شيئا ، قال : والله ما ظننته سألها إلا لينظر إليها ، فإذا هو قد أخذها ، ثم قال لخالد : إن شئت بدأتك فتكلمت ، وإن شئت أنت فتكلم ، فقال له خالد : ما أبالى أى ذلك كان ، أما أنا فلا أخالك إلا وقد بلغك وعلمت ما أسأل وأطلب ، وما أدعو إليه ، وقد جاءك بذلك أصحابك ومن لقينا منهم بأجنادين ومرج الصفر وفحل ومدائنكم وحصونكم ، وأما أنت فلست أدرى ما تريد أن تقول ، فإن شئت فتكلم ، وإن شئت بدأتك فتكلمت ، فقال باهان : الحمد لله الذي جعل نبينا أفضل الأنبياء ، وملكنا أفضل الملوك ، وأمتنا أفضل الأمم ، فلما بلغ هذا المكان ، قال خالد وقطع على باهان منطقه : والحمد لله الذي جعلنا نؤمن بنبينا ونبيكم ، وبجميع الأنبياء ، وجعل الأمير الذي وليناه أمورنا رجلا كبعضنا ، فلو زعم أنه ملك علينا لعزلناه عنا ، ولسنا نرى أن له على رجل من المسلمين فضلا إلا أن يكون أتقى منه عند الله ، وأبر ، والحمد لله الذي جعل أمتنا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتقر بالذنب وتستغفر منه ، وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئا ، قل الآن ما بدا لك.
فاصفر وجه باهان وسكت قليلا ، ثم قال : الحمد لله الذي أبلانا فأحسن البلاء عندنا فأغنانا من الفقر ، ونصرنا على الأمم ، وأعزنا فلا نذل ، ومنعنا من الضيم فلا تباح حرمتنا ، ولسنا فيما أعزنا الله به وأعطانا من ديننا ببطرين ولا مرحين ، ولا باغين على الناس ، وقد كانت لنا منكم يا معشر العرب جيران كنا نحسن جوارهم ، ونعظم رفدهم ، ونفضل عليهم ، ونفى لهم بالعهد ، وخيرناهم بلادنا ، ينزلون منها حيث شاءوا ، فينزلون آمنين ، ويرحلون آمنين ، وكنا نرى أن جميع العرب ممن لا يجاورنا سيشكرون لنا ذلك الذي آتينا إلى إخوانهم ، وما اصطنعنا عندهم فلم يرعنا منهم إلا وقد فاجأتمونا بالخيل والرجال ، تقاتلوننا على حصوننا ، وتريدون أن تغلبونا على بلادنا ، وقد طلب هذا منا قبلكم من كان أكثر منكم عددا وأعظم مكيدة وأقوى جدا ، فلم يرجعوا عنا إلا وهم بين أسير وقتيل ، وأرادت ذلك منا فارس ، فقد بلغكم كيف صنع الله بهم ، وأراد ذلك منا الترك فلقيناهم بأشد مما لقينا به فارس ، وأرادنا غيرهم من أهل المشرق والمغرب ، من ذوى المنعة والعز والجنود العظيمة ، فكلهم أظفرنا الله بهم ، وصنع لنا عليهم ، ولم تكن أمة من الأمم بأدق عندنا منكم شأنا ولا أصغر أخطارا ، إنما جلكم رعاء الشاء والإبل