الأمم كانوا قبلنا فيها ، فقاتلناهم عليها فأخرجناهم منها ، وقد كانت قبل ذلك لقوم آخرين فأخرجهم منها هؤلاء الذين كنا قاتلناهم عليها ، فابرزوا على اسم الله ، فإنا خارجون إليكم.
قال الحارث : فلما فرغ باهان من كلامه وثب خالد فقام ، وقمت معه ، فمر بقبته فتركها ، وبعث معنا صاحب الروم رجالا حتى أخرجونا من عسكرهم وأمنا ، فرجعنا إلى أبى عبيدة ، فقص عليهم خالد الخبر ، وأخبرهم بأن القتال سيقع بينهم ، وقال للناس : استعدوا أيها الناس استعداد قوم يرون أنهم عن ساعة مقاتلون.
وحدث (١) أبو جهضم الأزدى ، عن رجل من الروم كان مع باهان فى عسكرهم ذلك وأسلم بعد فحسن إسلامه ، قال : كتب باهان إلى قيصر كتابا يخبره فيه بخالد وحال أصحابه وحال المسلمين ، وكان قد جمع أصحابه يوم انصرف عنهم خالد ، فقال : أشيروا علىّ برأيكم فى أمر هؤلاء القوم فإنى قد هيبتهم فما أراهم يهابون ، وأطمعتهم فليس يطمعون ، وأردتهم على الرجوع والخروج عن بلادنا بكل وجه فليسوا براجعين ، والقوم ليس يريدون إلا هلاككم واستئصالكم وسلب سلطانكم ، وأكل بلادكم ، وسبى أولادكم ونسائكم ، وأخذ أموالكم ، فإن كنتم أحرارا فقاتلوا عن سلطانكم ، وامنعوا حريمكم ونساءكم وأموالكم وبلادكم وأولادكم ، فقامت البطارقة رجلا بعد رجل فكلهم يخبره أنه طيب النفس بالموت دون بلاده وسلطانه ، وقالوا له : إذا شئت فانهض بنا فقال لهم : فكيف ترون ، نقاتلهم فإنا أكثر من عشرة أضعافهم ، نحن نحو من أربعمائة ألف ، وهم نحو من ثلاثين ألفا أو أقل أو أكثر.
فقال بعضهم : أخرج إليهم فى كل يوم مائة ألف يقاتلونهم وتستريح البقية ، وتسرح عيالنا وأثقالنا إلى البحر ، فلا يكون معنا شيء يهمنا ولا يشغلنا ، ويقاتلهم كل يوم منا مائة ألف ، فهم فى كل يوم فى قتل وجراحة وعناء ومشقة وشدة ، ونحن لا نقاتل إلا فى كل أربعة أيام يوما فإن هم هزموا منا فى كل يوم مائة ألف بقى لهم أكثر من مائتى ألف لم ينهزموا ، فقال آخرون : لا ، ولكنا نرى إذا هم خرجوا إلينا أن نبعث إلى كل رجل منهم عشرة من أصحابك ، فلا والله لا يجتمع عشرة على واحد إلا غلبوه ، فقال باهان : هذا ما لا يكون ، وكيف أقدر على عددهم حتى أبعث إلى كل رجل منهم عشرة من أصحابى ، وكيف أقدر أن ينفرد الرجل منهم عن صاحبه حتى أبعث إليه عشرة من قبلى ، هذا ما لا يكون.
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٠٧).