لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ٤ ، ١٤] قلت فى نفسى : ظهرنا والله على القوم للذى أجرى الله على لسانه ، وسررت بذلك سرورا شديدا ، وقلت : عدونا هذا والله نظير لهذه الأمم ، فى الكفر والكثرة والمعاصى ، قال : ثم قرأ فى الركعة الثانية : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ، فلما مر بقول الله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) إلى آخر السورة ، قلت فى نفسى : هذه والله أخرى ، إن صدق الفأل ليصبن الله عليهم سوط عذاب ، وليدمدمن الله عليهم كما دمدم على هذه القرون من قبلهم ، فلما قضى أبو عبيدة صلاته ، أقبل على الناس بوجهه ، وقال:
أيها الناس أبشروا ، فإنى رأيت فى ليلتى هذه فيما يرى النائم كأن رجالا أتونى فحفوا بى وعليهم ثياب بيض ، ثم دعوا إلىّ رجالا منكم أعرفهم ، ثم قالوا لنا : أقدموا على عدوكم ولا تهابوهم ، فإنكم الأعلون ، وكأنا مضينا إلى عسكر عدونا ، فلما رأونا قاصدين إليهم انفرجوا لنا ، وجئنا حتى دخلنا عسكرهم ، وولوا مدبرين.
فقال له الناس : أصلحك الله ، نامت عينك ، هذه بشرى من الله ، بشرك الله بخير.
وقال أبو مرثد الخولانى : وأنا أصلحك الله قد رأيت رؤيا ، إنها لبشرى من الله ، رأيت فى هذه الليلة كأنا خرجنا إلى عدونا ، فلما تواقعنا صب الله عليهم من السماء طيرا بيضا عظاما لها مخالب كمخالب الأسد ، وهى تنقض من السماء انقضاض العقبان ، فإذا حاذت بالرجل من المشركين ضربته ضربة يخر منها متقطعا.
وكان الناس يقولون : أبشروا معاشر المسلمين ، فقد أيدكم الله عليهم بالملائكة. قال : فتباشر الناس بهذه الرؤيا وسروا بها ، فقال أبو عبيدة : وهذه والله بشرى من الله ، فحدثوا بهذه الرؤيا الناس ، فإن مثلها من الرؤيا ما يشجع المسلم ويحسن ظنه وينشطه للقاء عدوه.
قال : وانتشرت هذه الرؤيا ورؤيا أبى عبيدة فى المسلمين ، واستبشروا بهما.
وعن أبى جهضم أيضا (١) : أن رجلا من الروم حدثه فى خلافة عبد الملك بن مروان أن رجلا من عظمائهم أتى باهان فى صبيحة الليلة التي خرج إلى المسلمين باليرموك ، فقال له : إنى رأيت رؤيا أريد أن أحدثك بها ، قال : هاتها ، قال : رأيت كأن رجالا نزلوا من السماء طول أحدهم أبعد من مد بصره ، فنزعوا سيوفنا من أغمادها وأسنة رماحنا من أطرافها ، ثم لم يدعوا منا رجلا إلا كتفوه ، ثم قالوا لنا : اهربوا وأكثركم هالك ،
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢١٤ ـ ٢١٦).