وقاتل حتى قتل رحمهالله ، ونادى أبو هريرة : يا مبرور يا مبرور ، فأطافت به الأزد ، قال عبد الله بن سراقة : انتهيت إلى أبى هريرة يومئذ ، وهو يقول : تزينوا للحور العين وارغبوا فى جوار ربكم ، فى جنات النعيم ، فما أنتم فى موطن من مواطن الخير أحب فيه منكم فى هذا الموطن ، ألا وإن للصابرين فضلهم. قال : فأطافت به الأزد ، ثم اضطربوا هم والروم ، فو الذي لا إله إلا هو لرأيت وإنها لتدور بهم الأرض وهم فى مجال واحد كما تدور الرحاء ، وما برحوا يعنى المسلمين ، ولا زالوا وركبهم من الروم أمثال الجبال ، فما رأيت موطنا قط أكثر قحفا ساقطا ومعصما نادرا وكفا طائحة من ذلك الموطن ، وقد والله أوحلناهم شرا وأوحلونا.
وكان جل القتال فى الميمنة ، وأن القلب ليلقون مثل ما نلقى ، ولكن حمة القوم وجدهم وحردهم وحنقهم علينا ، وكنا فى آخر الميمنة ، فلقد لقينا من قتالهم ما لم يلق أحد مثله ، فو الله إنا لكذلك نقاتلهم وقد دخل عسكرنا منهم نحو من عشرين ألفا من ورائنا ، فعصمنا الله من أن نزول ، حمل عليهم خالد بن الوليد فقصف بعضهم على بعض ، وشدخ منهم فى العسكر نحوا من عشرة آلاف ، ودخل سائرهم بيوت المسلمين فى العسكر مجرحين وغير مجرحين ، ثم خرج خالد يكرد ويقتل كل من كان قريبا منا من الروم حتى إذا حاذانا ألف خيله بعضها إلى بعض ، ثم قال : يا أهل الإسلام ، إنه لم يبق عند القوم من الجد والقتال إلا ما قد رأيتم ، فالشدة ، فو الذي نفسى بيده ليعطينكم الله الظفر الساعة عليهم ، فجعل لا يسمع هذا القول من خالد أحد من المسلمين إلا شجعه عليهم ، ثم إن خالدا اعترض الروم وإلى جنبه منهم أكثر من مائة ألف ، فحمل عليهم ، وما هو إلا فى نحو من ألف فارس ، فو الله ما بلغتهم الحملة حتى فض الله جمعهم.
قال : وشددنا على من يلينا من رجالتهم ، فانكشفوا واتبعناهم نقتلهم كيف شئنا ، ما يمتنعون من قتل ميمنتنا لميسرتهم ، قال : ثم إن خالدا انتهى إلى الدرنجار وقد قال لأصحابه : لفونى بالثياب ، فليت أنى لم أقاتل هؤلاء القوم اليوم ، فلفوه بالثياب ، وقال : لوددت أن الله عافانى من حرب هؤلاء القوم فلم أرهم ولم يرونى ، ولم أنصر عليهم ولم ينصروا علىّ ، وهذا يوم سوء ، فما شعر حتى غشيه المسلمون فقتلوه.
وقال ابن قماطر وهو فى ميمنة الروم لجرجير ، صاحب أرمينية : احمل عليهم ، فقال له : أنت تأمرنى أن أحمل عليهم وأنا أمير مثلك؟ فقال له ابن قماطر : أنت أمير وأنا أمير فوقك ، وقد أمرت بطاعتى ، فاختلفا ، ثم إن ابن قماطر حمل على المسلمين حملة شديدة على الميسرة وفيها كنانة وقيس ولخم وجذام وعاملة وغسان وخثعم وقضاعة ، فانكشف