وأحسنه بلاء هو وأبوه جميعا ، وقد كان أبوه مر به وهو يحرض الناس ويعظمهم ، فقال : يا بنى ، إنك تلى من أمر المسلمين طرفا ، ويزيد يومئذ على ربع الناس ، وإنه ليس بهذا الوادى رجل من المسلمين إلا وهو محقوق بالقتال ، فكيف بأشباهك الذين ولوا أمور المسلمين ، أولئك أحق الناس بالجهاد والصبر والنصيحة ، فاتق الله يا بنى ، واكرم فى أمرك ، ولا يكونن أحد من أصحابك أرغب فى الآخرة ولا فى الصبر فى الحرب ولا أشد نكاية فى المشركين ، ولا أجهد على عدو الإسلام ولا أحسن بلاء منك. فقال يزيد : أفعل والله يا أبة ، فقاتل فى الجانب الذي كان فيه قتالا شديدا.
قال : وشد على عمرو بن العاص جماعة من الروم فانكشف عنه أصحابه وثبت عمرو فجالدهم طويلا ، وقاتل شديدا ، ثم تراجع إليه أصحابه ، قال : فسمعت أم حبيبة بنت العاص تقول : قبح الله رجلا يفر عن حليلته ، وقبح الله رجلا يفر عن كريمته ، وسمعت نسوة من المسلمين يقلن : قاتلوا أيها المسلمون فلستم بعولتنا إن لم تمنعونا ، وأخذن العناهر ، فكلما مر بهن منهزم من المسلمين حملن عليه حتى يضربن وجهه ويرددنه إلى جماعة المسلمين.
وقاتل شرحبيل بن حسنة فى ربعه الذي كان فيه قتالا شديدا ، وكان إلى جنبه سعيد ابن زيد ، وسطا من الناس ، وجعل ينادى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) إلى آخر الآية [التوبة : ١١١] ثم جعل يقول : أين الشارون أنفسهم من الله بابتغاء مرضات الله؟ أين المشاءون إلى جوار الله غدا فى داره ، فاجتمع إليه ناس كثير وبقى القلب لم ينكشف ، وفيه أهله الذين كانوا مع سعيد بن زيد ، وكان أبو عبيدة من وراء ظهور المسلمين ردءا لهم.
فلما رأى قيس بن هبيرة أن خيل المسلمين مما يلى الميسرة قد شد عليهم الروم اعترض الروم بخيله وهى الشطر من خيل خالد ، فقصف بعضهم على بعض ، وحمل خالد من ميمنة المسلمين على ما يليه من الروم حتى اضطرهم إلى صفوفهم ، فقصف بعضهم على بعض ، وزحف إليه المسلمون جماعتهم رويدا رويدا حتى إذا دنوا منهم حملوا عليهم ، فجعلت الروم ينقضون صفوفهم وينهزمون ، وبعث أبو عبيدة إلى سعيد بن زيد : أن احمل عليهم ، فحمل عليهم ، وشد المسلمون بأجمعهم ، فضرب الله وجوه الروم ، ومنح المسلمين أكتافهم ، يقتلونهم كيف شاءوا ، لا يمتنعون من أحد من المسلمين ، وانتهى خالد بن الوليد إلى الدرنجار ، وكان كارها لقتال المسلمين ، لما كان يجد من صفتهم فى الكتب ،