وكان يقرأها ، فقال خالد : إن كنت لأحب أن أراه ، فضربه المسلمون حتى قتلوه ، وإنه لملفف رأسه بكساء ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم كل قتلة ، وركب بعضهم بعضا حتى انتهوا إلى مكان مشرف على أهوية تحتهم ، فجعلوا يتساقطون فيها ولا يبصرون ، وهو يوم ذو ضباب ، وهم يرتكسون فيها ، لا يعلم آخرهم ما يلقى أولهم ، حتى سقط فيها نحو من مائة ألف رجل ، ما أحصوا إلا بالقصب.
وبعث أبو عبيدة شداد بن أوس بن ثابت فعدهم بها من الغد ، فوجد من سقط أكثر من ثمانين ألفا ، فسميت تلك الأهوية الواقوصة حتى اليوم ، لأنهم وقصوا فيها وما فطنوا لتساقطهم حتى انكشف الضباب فأخذوا فى وجه آخر ، وقتل المسلمون منهم فى المعركة بعد ما أدبروا نحوا من خمسين ألفا.
واتبعهم خالد فى الخيل ، فلم يزل يقتلهم فى كل واد وكل شعب وفى كل جبل ، حتى انتهى إلى دمشق ، فخرج إليه أهلها ، وقالوا له : نحن على عهدنا الذي كان بيننا وبينكم ، فقال لهم خالد : نعم ، ومضى فى اتباعهم يقتلهم فى القرى والأودية والجبال حتى انتهى إلى حمص ، فخرج إليه أهلها ، فقالوا له مثل ما قال أهل دمشق فى العهد ، فقال لهم : نعم.
وأقبل أبو عبيدة على قتلى المسلمين ، رحمهمالله وجزاهم عن الإسلام وأهله خيرا ، فدفنهم ، فلما فرغ من ذلك جاءه النعمان بن محمية ذو الأنف الخثعمى يسأله أن يعقد له على قومه ، فعقد له عليهم ، وكانت خثعم قد رأست رجلا آخر منهم من بنى عمرو يدعى ابن ذى السهم ، فاختصم هو وذو الأنف إلى أبى عبيدة فى الرئاسة قبل الوقعة ، فأخرهم أبو عبيدة إلى أن يفرغوا من حربهم ويناجزوا عدوهم ، ثم ينظر فى أمرهم ، فلما التقى الناس استشهد هنالك ابن ذى السهم الخثعمى ، فعقد أبو عبيدة للنعمان ذى الأنف على خثعم.
قال : وجاء الأشتر مالك بن الحارث النخعي ، فقال لأبى عبيدة : اعقد لى على قومى ، فعقد له ، وكانت قصته مثل قصة الخثعمى ، وذلك أنه أتى قومه وعليهم رجل منهم فخاصمهم الأشتر فى الرئاسة إلى أبى عبيدة ، فدعا أبو عبيدة النخع ، فقال : أى هذين أرضى فيكم وأعجب إليكم أن يرأس عليكم؟ فقالوا : كلاهما شريف وفينا رضى وعندنا ثقة ، فقال أبو عبيدة : كيف أصنع بكما؟ ثم قال للأشتر : أين كنت حين عقدت لهذا الراية؟ قال : كنت عند أمير المدينة ، ثم أقبلت إليكم ، قال : فقدمت على هذا وهو رأس