أصحابك؟ قال : نعم ، قال : فإنه لا ينبغى لك أن تخاصم ابن عمك وقد رضيت به جماعة قومك قبل قدومك عليهم ، قال الأشتر : فإنه رضى شريف وأهل ذلك هو ، وأنا أهل الرئاسة ، فلتعقبنى من رئاسة قومى فأليهم كما وليهم هذا ، فقال أبو عبيدة : تأخروا ذلك حتى تكون هذه الوقعة ، فإن استشهدتما جميعا فما عند الله خير لكما ، وإن هلك أحدكما وبقى الآخر كان الباقى منكما الرأس على قومه ، وإن تبقيا جميعا أعقبناك منه إن شاء الله ، قال الأشتر : فقد رضيت ، فلما كانت الواقعة استشهد فيها رأس النخع الأول ، فعقد أبو عبيدة للأشتر عند ذلك.
وفى حديث آخر أن الأشتر كان من جلداء الرجال وأشدائهم وأهل القوة والنجدة منهم ، وأنه قتل يوم اليرموك ، قبل أن ينهزموا أحد عشر رجلا من بطارقتهم ، وقتل منهم ثلاثة مبارزة وتوجه مع خالد فى طلب الروم حين انهزموا ، فلما بلغوا ثنية العقاب من أرض دمشق وعليها جماعة من الروم عظيمة ، أقبلوا يرمون المسلمين من فوقهم بالصخر ، فتقدم إليهم الأشتر فى رجال من المسلمين ، وإذا أمام الروم رجل جسيم من عظمائهم وأشدائهم ، فوثب إليه الأشتر لما دنا منه ، فاستويا على صخرة مستوية ، فاضطربا بسيفيهما ، فضرب الأشتر كتف الرومى فأطارها ، وضربه الرومى بسيفه فلم يضره شيئا ، واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، ثم دفعه الأشتر من فوق الصخرة فوقعا منها ، ثم تدحرجا ، والأشتر يقول وهما يتدحرجان : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام : ١٦٢ ، ١٦٣] ، فلم يزل يقول هذا وهو فى ذلك ملازم العلج لا يتركه ، حتى انتهيا إلى موضع مستو من الجبل ، فلما استقرا فيه وثب الأشتر على الرومى فقتله ، ثم صاح فى الناس : أن جوزوا ، فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتله الأشتر خلوا سبيل العقبة للناس ، ثم انهزموا.
وأقبل أبو عبيدة فى أثر خالد حتى انتهى إلى حمص ، فأمر خالدا أن يتقدم إلى قنسرين ، ولما انتهت الهزيمة إلى ملك الروم وهو بأنطاكية ، قال : قد كنت أعلم أنهم سيهزمونكم ، فقال له بعض جلسائه : ومن أين علمت ذلك أيها الملك ، قال من حيث أنهم تحبون الموت كما نحبون أنتم الحياة ، ويرغبون فى الآخرة أشد من رغبتكم فى الدنيا ، ولا يزالون ظاهرين ما كانوا هكذا ، وليغيرن كما غيرتم ، ولينقضن كما نقضتم.
وفى حديث عن عبد الله بن قرط (١) : أن أول من جاء ملكهم بالهزيمة رجل منهم ، فقال له : ما وراءك؟ قال : خير ، أيها الملك ، هزمهم الله وأهلكهم ، يعنى المسلمين ، قال:
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٣٤).