أزايلهم حتى يفتح الله على المسلمين إن شاء الله ، والسلام عليك.
فكتب إليه عمر رضياللهعنه : من عبد الله بن عمر أمير المؤمنين ، إلى أبى عبيدة بن الجراح ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فقد أتانى كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه من إهلاك الله المشركين ونصره المؤمنين ، وما صنع لأوليائه وأهل طاعته ، فالحمد لله على صنيعه إلينا ، ونستتم من الله ذلك بشكره ، ثم اعلموا أنكم لم تنصروا على عدوكم بعدد ولا عدة ولا حول ولا قوة ، ولكنه بعون الله ونصره ومنه تعالى وفضله ، فلله المن والطول والفضل العظيم ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، والحمد لله رب العالمين.
فهذه الأحاديث التي أوردها أصحاب فتوح الشام فى كتبهم عن وقعة اليرموك ، وقد أوردها غيرهم على صفة تخالف أكثر ما تقدم مساقا وتاريخا ، حسب ما يظهر لمن يقف على جميعها ، واختلاف الأخبار من جهة النقل أمر مألوف ، وإعادة أمثال هذه الآثار التي هى كيف ما وقعت من آيات الإسلام شيء غير مملول. ونحن نذكر من ذلك ما يحسن فى هذا المجموع ذكره ، ويليق بالمقصود إيراده إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك أن ابن إسحاق ذكر أن التقاء المسلمين مع الروم باليرموك كان فى رجب سنة خمس عشرة ، وأن الذي لقيهم من الروم هو الصقلار خصى لهرقل ، بعثه فى مائة ألف مقاتل أكثرهم من الروم ، وسائرهم من أهل أرمينية ، ومن المستعربة من غسان وقضاعة ، والمسلمون مع أبى عبيدة أربعة وعشرون ألفا ، فاقتتل الناس اقتتالا شديدا حتى دخل عسكر المسلمين ، وقاتل نساء من قريش بالسيوف حين دخل العسكر حتى سابقن الرجال ، وقد كان انضم إلى المسلمين ناس من لخم وجذام ، فلما رأوا جد القتال فروا وخذلوا المسلمين ، فقال قائل من المسلمين حين رأى ذلك منهم :
القوم لخم وجذام فى الهرب |
|
ونحن والروم بمرج نضطرب |
وإن يعودوا بعدها لا نصطحب |
ثم إن الله أنزل نصره ، فهزمت الروم وجموع هرقل التي جمع ، فأصيب منهم سبعون ألفا ، وقتل الله الصقلار وباهان ، وكان هرقل قدمه مع الصقلار حين لحق به.
وفيما حكاه الطبرى (١) بسنده عن سيف عن شيوخه قالوا : أوعب القواد بالناس نحو الشام ، وعكرمة ردء لهم ، وبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل ، فخرج حتى نزل بحمص ،
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣).