صالحه على القبط ، على أن يستنظر رأى الملك وعلى أن يسير من الروم من أراد المسير ، ويقر من أراد الإقامة ، فأنكر ذلك هرقل لما بلغه أشد الإنكار ، وتسخط أشد التسخط ، وبعث الجيوش ، فأغلقوا الإسكندرية وآذنوا عمرو بن العاص بالحرب ، فخرج إليه المقوقس فقال : أسألك ثلاثا ، وذكر نحو ما تقدم ، وزاد أن عمرا قال فى الثالثة التي هى أن يدفن فى أبى يحنس : هذه أهونهن علينا.
ثم رجع إلى الحديث الأول ، قال : فخرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج ، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط قد أصلحوا لهم الطريق وأقاموا لهم الجسور والأسواق ، وصارت لهم القبط أعوانا على ما أرادوا من قتال الروم ، وسمعت بذلك الروم فاستعدت واستجاشت ، وقدمت عليهم مراكب كثيرة من أرض الروم ، فيها جمع من الروم كثير بالعدة والسلاح ، فخرج إليهم عمرو بن العاص من الفسطاط متوجها نحو الإسكندرية ، فلم يلق منهم أحدا حتى بلغ ترنوط (١) ، فلقى فيها طائفة من الروم فقاتلوه قتالا خفيفا فهزمهم الله ، ومضى عمرو بمن معه حتى لقى جمع الروم بكوم شريك ، فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين وولى الروم أكتافهم.
ويقال : بل أرسل عمرو بن العاص ، شريك بن سمى فى آثارهم ، فأدركهم عند الكوم الذي يقال له كوم شريك ، فقاتلهم شريك فهزمهم.
ويقال : بل لقيهم فألجئوه إلى الكوم فاعتصم به ، وأحاطت به الروم ، فلما رأى ذلك شريك أمر أبا ناعمة الصدفى (٢) ، وهو صاحب الفرس الأشقر الذي يقال له : أشقر صدف ، وكان لا يجارى ، فانحط عليهم من الكوم ، وطلبته الروم فلم تدركه ، حتى أتى عمرا فأخبره ، فأقبل عمرو نحوه. وسمعت به الروم فانصرفت ، وبهذا الفرس سميت خوخة الأشقر التي بمصر ، وذلك أنه نفق فدفنه صاحبه هناك ، فسمى المكان به.
قال : ثم التقوا بسلطيس (٣) فاقتتلوا بها قتالا شديدا ، فهزمهم الله ، ثم التقوا بالكريون (٤) فاقتتلوا بها بضعة عشر يوما.
__________________
(١) ترنوط : قرية كانت بين مصر والإسكندرية ، أشار ياقوت إلى أنها قرية كبيرة جامعة على النيل ، فيها أسواق ومعاصر للسكر وبساتين ، وأكثر فواكه الإسكندرية منها. انظر : معجم البلدان (٢ / ٢٧).
(٢) هو : أبو ناعمة مالك بن ناعمة الصدفى.
(٣) سلطيس : قرية من قرى مصر القديمة ، كان أهلها أعانوا على عمرو بن العاص فسباهم. انظر : معجم البلدان (٣ / ٢٣٦).
(٤) كريون : موضع قرب الإسكندرية. انظر : معجم البلدان (٤ / ٤٥٨ ، ٤٥٩).