وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة ، وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو ، فأصابت عبد الله بن عمرو جراحات كثيرة ، فقال : يا وردان لو تقهقرت قليلا لنصيب الروح. فقال وردان : الروح أمامك وليس هو خلفك. فتقدم عبد الله ، وجاء رسول أبيه يسأله عن جراحه ، فأنشأ يقول :
أقول إذا ما النفس جاشت ألا أصبرى |
|
عليك قليلا تحمدى أو تلامى |
فرجع الرسول فأخبره بما قال. فقال عمرو : هو ابنى حقا.
وصلى يومئذ عمرو صلاة الخوف ، فحدث شيخ صلاها معه بالإسكندرية : أنه صلى بكل طائفة ركعة وسجدتين.
قال : ثم فتح الله على المسلمين ، وقتلوا من الروم مقتلة عظيمة ، واتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوا بها ، وكانت عليهم حصون لا ترام ، حصن دون حصن ، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس إلى ما وراء ذلك ، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة ، ورسل ملك الروم تختلف إلى الإسكندرية فى المراكب بمادة الروم.
ويروى أن عمرا أقام بحلوة شهرين ثم تحول إلى المقس ، فخرجت عليه الخيل من ناحية البحيرة حيث كانت مستترة بالحصن فواقعوه ، فقتل من المسلمين يومئذ بكنيسة الذهب اثنا عشر رجلا ، ولم يكن للروم كنائس أعظم من كنائس الإسكندرية ، وإنما كان عيد الروم حين غلبت العرب على الشام بالإسكندرية ، فكان ملك الروم يعظم ظهور العرب عليها ويقول : لئن غلبوا على الإسكندرية لقد هلكت الروم ، وانقطع ملكها ، وتجهز للخروج إليها ليباشر قتالها بنفسه إعظاما لها ، وأمر أن لا يتخلف عنه أحد من الروم ، وقال : ما بقاء الروم بعد الإسكندرية؟ فلما فرغ من جهازه صرعه الله فأماته وكفى المسلمين مئونته. وكان موته فى سنة تسع عشرة ، وقيل : سنة عشرين ، فكسر الله بموته شوكة الروم.
ورجع جمع كبير ممن كان قد توجه إلى الإسكندرية ، واستأسدت العرب عند ذلك وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، وخرج طرف من الروم من باب حصنها فحملوا على الناس وقتلوا رجلا من مهرة فاحتزوا رأسه وانطلقوا به ، فجعل المهريون يتغضبون ويقولون : لا ندفنه أبدا إلا برأسه. فقال عمرو بن العاص : تتغضبون كأنكم تتغضبون على من يبالى بغضبكم ، احملوا على القوم إذا خرجوا فاقتلوا رجلا منهم