وارموا برأسه يرموا برأس صاحبكم ، فخرجت الروم عليهم فاقتتلوا ، فقتل رجل من بطارقة الروم ، فاحتزوا رأسه ، فرموا به إلى الروم ، فرمت الروم برأس المهرى إليهم ، فقال : دونكم الآن فادفنوا صاحبكم.
وكان عمرو بن العاص يقول : ثلاث قبائل فى مصر : أما مهرة فقوم يقتلون ولا يقتلون ، وأما غافق فقوم يقتلون ولا يقتلون ، وأما بلى فأكثرها رجلا صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأفضلها فارسا.
وقاتل عمر بن العاص الروم بالإسكندرية يوما من الأيام قتالا شديدا ، فلما استحر القتال بارز رجل من الروم مسلمة بن مخلد فصرعه الرومى ، وألقاه عن فرسه ، وأهوى إليه بسيفه ليقتله حتى حماه رجل من أصحابه. وكان مسلمة لا يقام بسبيله ولكنها مقادير ، ففرحت بذلك الروم وشق ذلك على المسلمين ، وغضب عمرو بن العاص فقال : وكان مسلمة كثير اللحم ثقيل البدن : ما بال الرجل المسبّه (١) الذي يشبه النساء يتعرض فيداخل الرجال ويتشبه بهم؟ فغضب مسلمة ولم يراجعه ، ثم اشتد القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية فقاتلهم العرب فى الحصن ، ثم جاشت عليهم الروم حتى أخرجوهم جميعا من الحصن إلا أربعة نفر فيهم عمرو بن العاص ومسلمة بن مخلد ، أغلق الروم عليهم باب الحصن وحالوا بينهم وبين أصحابهم ولا يدرون من هم.
فلما رأى ذلك عمرو وأصحابه لجئوا إلى ديماس من حماماتهم فتحرزوا به فأمرت الروم روميا فكلمهم بالعربية فقال لهم : إنكم قد صرتم بأيدينا أسارى فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم فامتنعوا ثم قال لهم : إن فى أيدى أصحابكم منا رجالا أسروهم ونحن نعطيكم العهود أن نفادى بكم أصحابنا ولا نقتلكم ، فأبوا عليهم.
فلما رأى الرومى ذلك منهم قال لهم : هل لكم إلى خصلة وهى نصف فيما بيننا وبينكم : أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله على أن يبرز منكم رجل ومنا رجل ، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا ، وأمكنتمونا من أنفسكم ، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلينا سبيلكم إلى أصحابكم. فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه ، فبرز رجل من الروم قد وثقت الروم بنجدته وشدته ، وقالوا لعمرو وأصحابه وهم فى الديماس ليبرز رجل منكم لصاحبنا فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة وقال : يا هذا تخطئ مرتين ، تشذ من
__________________
(١) السبه : محركه ، ذهاب العقل من الهرم. انظر : القاموس المحيط للفيروزآباديّ (٤ / ٢٨٤). لسان العرب لابن منظور (٣ / ١٩٣٢).