أصحابك وأنت أميرهم وإنما قوامهم بك وقلوبهم معلقة نحوك لا يدرون ما أمرك ، ثم لا ترضى حتى تبارز وتتعرض للقتل ، فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك؟ مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله! قال عمرو : دونك فربما فرجها الله بك ، فبرز مسلمة والرومى فتجاولا ساعة ثم أعانه الله عليه فقتله ، فكبر مسلمة وأصحابه ، ووفى لهم الروم بما عاهدوهم عليه ، ففتحوا لهم باب الحصن فخرجوا ولا تدرى الروم أن أمير القوم فيهم ، حتى بلغهم ذلك فأسفوا وأكلوا أيديهم تغيظا على ما فاتهم ، فلما خرجوا استحيا عمرو مما كان قال لمسلمة حين غضب ، وسأله أن يستغفر له ، ففعل مسلمة وقال عمرو : والله ما أفحشت قط إلا ثلاث مرات ، مرتين فى الجاهلية وهذه الثالثة ، وما منها مرة إلا وقد ندمت واستحييت وما استحييت من واحدة منهن أشد مما استحييت مما قلت لك والله إنى لأرجو أن لا أعود إلى الرابعة ما بقيت.
قال ابن لهيعة : وأخبرنى بعض أشياخنا أن عبد العزيز بن مروان لما قدم الإسكندرية سنة ثمانين سأل : هل بقى بالإسكندرية أحد ممن أدرك فتحها؟ فأتوه بشيخ من الروم من أكابر أهل الإسكندرية يومئذ فأعلموه أنه أدرك فتحها وهو رجل ، فسأله عن أعجب ما رأى يومئذ من المسلمين. فقال : أخبرك أيها الأمير أنه كان لى صديق من أبناء بطارقة الروم يومئذ منقطع إلىّ ، وأنه أتانى فسألنى أن أركب معه حتى ننظر إلى المسلمين وإلى حالهم وهيئتهم ، وهم إذ ذاك محاصرون الإسكندرية ، فخرجت معه وهو على برذون له كثير اللحم وأنا على برذون خفيف ، فلما خرجنا من الحصن الثالث وقفنا على كوم مشرف ننظر إلى العرب ، وإذا هم فى خيام لهم وعلى باب كل خيمة فرس واقف ورمح مركوز ، ورأينا قوما ضعفاء فعجبنا من ضعفهم ، وقلنا : كيف بلغ هؤلاء القوم ما بلغوا؟ فبينا نحن وقوف ننظر إليهم ونعجب إذ خرج رجل منهم من بعض تلك الخيام ، فلما نظر إلينا اختلع رمحه ووثب على ظهر فرسه ثم أقبل نحونا ، فقلت لصاحبى : والله إنه ليريدنا! فلما رأيناه مقبلا إلينا لا يريد غيرنا ولينا هاربين ، فما كان بأوشك من أن أدرك صاحبى فطعنه بالرمح فصرعه ، ثم تركه صريعا وأقبل فى أثري وأنا خائف أن لا أفلت منه حتى دخلت الحصن الأول فنجوت منه ، ثم صعدت الحصن لأبصر ما يفعل ، فرجع وهو يتكلم بكلام يرفع به صوته ، فظننت أنه يقرأ ، ثم مضى حتى اعترض برذون صاحبى فأخذه ورجع إلى صاحبى وهو صريع فأخذ سيفه وترك سلبه فلم يأخذه تهاونا به ، وكانت ثيابه ديباجا كلها ، فلم يأخذها ولم ينزعها عنه.
فقال عبد العزيز بن مروان للشيخ الرومى : صف لى ذلك الرجل وشبهه ببعض من