عندى. فأشار إلى رجل مخفف كوسج (١) فقال : هو يشبه هذا. قال عبد العزيز : نخبرك أنه يمان (٢).
وأقام عمرو يحاصر الإسكندرية أشهرا ، فقال عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، لما بلغه ذلك : ما أبطئوا بفتحها إلا لما أحدثوا.
وقال أسلم مولى عمر : لما أبطأ على عمر فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص :
أما بعد ، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر ، أنكم تقاتلونها منذ سنين ، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم ، وإن الله ، تبارك وتعالى ، لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم ، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف ، إلا أن يكونوا غيرهم ما غير غيرهم ، فإذا أتاك كتابى هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ، ورغبهم فى الصبر والنية ، وقدم أولئك النفر الأربعة فى صدور الناس ، ومر الناس جميعا أن تكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد ، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة ، فإنها ساعة تنزل الرحمة ووقت الإجابة ، وليضج الناس إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم.
فلما أتى عمرا الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم ، ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس ، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ، ثم يرغبوا إلى الله ويسألوه النصر ، ففعلوا ، ففتح الله عليهم.
ويقال إن عمرو بن العاص استشار مسلمة بن مخلد فقال له : أشر علىّ فى قتال هؤلاء. فقال له مسلمة : أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتعقد له على الناس ، فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيكه. قال عمرو : ومن ذلك؟ قال : عبادة بن الصامت. فدعا عمرو عبادة ، فأتاه وهو راكب على فرسه ، فلما دنا منه أراد النزول ، فقال له عمرو : عزمت عليك أن لا تنزل ، ناولنى سنام رمحك ، فناوله إياه ، فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له وولاه القتال ، فتقدم عبادة مكانه فصاف الروم وقاتلهم ، ففتح الله على يديه الإسكندرية فى يومه ذلك.
ويروى أن عمرو بن العاص قال وقد أبطأ عليه الفتح ، فاستلقى على ظهره ثم جلس
__________________
(١) الكوسج : أى الناقص الأسنان ، والبطيء من البراذين. انظر : القاموس المحيط للفيروزآباديّ (١ / ٢٠٤).
(٢) فى ابن عبد الحكم : «... قال عبد العزيز عند ذلك : إنه ليصف صفة رجل يمانى».